للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَ أَعْمَالَهُمْ (٤) }

{فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ} نَصْبٌ عَلَى الْإِغْرَاءِ، أَيْ فَاضْرِبُوا رِقَابَهُمْ يَعْنِي أَعْنَاقَهُمْ. {حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ} بَالَغْتُمْ فِي الْقَتْلِ وَقَهَرْتُمُوهُمْ، {فَشُدُّوا الْوَثَاقَ} يَعْنِي فِي الْأَسْرِ حَتَّى لَا يُفْلِتُوا مِنْكُمْ، وَالْأَسْرُ يَكُونُ بَعْدَ الْمُبَالَغَةِ فِي الْقَتْلِ، كَمَا قَالَ: "مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ" (الْأَنْفَالِ-٦٧) ، {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} يَعْنِي: بَعْدَ أَنْ تَأْسِرُوهُمْ فَإِمَّا أَنْ تَمُنُّوا عَلَيْهِمْ مَنًّا بِإِطْلَاقِهِمْ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ، وَإِمَّا أَنْ تُفَادُوهُمْ فِدَاءً.

وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حُكْمِ هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالَ قَوْمٌ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ: "فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ" (الأنفال-٥٧) ، وبقوله: "اقتلوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ" (التَّوْبَةِ-٥) . وَإِلَى هَذَا الْقَوْلِ ذَهَبَ قَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ وَالسُّدِّيُّ وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، قَالُوا: لَا يَجُوزُ الْمَنُّ عَلَى مَنْ وَقَعَ فِي الْأَسْرِ مِنَ الْكُفَّارِ وَلَا الْفِدَاءُ.

وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّ الْآيَةَ مُحْكَمَةٌ، وَالْإِمَامُ بِالْخِيَارِ فِي الرِّجَالِ الْعَاقِلِينَ مِنَ الْكُفَّارِ إِذَا وَقَعُوا فِي الْأَسْرِ بَيْنَ أَنْ يَقْتُلَهُمْ أَوْ يَسْتَرِقَّهُمْ أَوْ يَمُنَّ عَلَيْهِمْ، فَيُطْلِقُهُمْ بِلَا عِوَضٍ أَوْ يُفَادِيهِمْ بِالْمَالِ، أَوْ بأسارى المسلمين، ١٢٦/ب وَإِلَيْهِ ذَهَبَ ابْنُ عُمَرَ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ، وَعَطَاءٌ، وَأَكْثَرُ الصَّحَابَةِ وَالْعُلَمَاءِ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمَّا كَثُرَ الْمُسْلِمُونَ وَاشْتَدَّ سُلْطَانُهُمْ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْأُسَارَى: "فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً".

وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَالِاخْتِيَارُ، لِأَنَّهُ عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ:

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، [حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ] (١) حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ، فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ: ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ [مِنْ سَوَارِي] . (٢) الْمَسْجِدِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ؟ فَقَالَ: عِنْدِي خَيْرٌ يَا مُحَمَّدُ إِنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ كُنْتَ


(١) ما بين القوسين ساقط من "أ".
(٢) زيادة من "ب".

<<  <  ج: ص:  >  >>