للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ الزَّجَّاجُ: الْمَعْنَى: لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا عَلَى الْمُنَافِقِينَ عَلَامَةً تَعْرِفُهُمْ بِهَا.

قَالَ أَنَسٌ: مَا خَفِيَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ شَيْءٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، كَانَ يَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ (١) .

{وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} فِي مَعْنَاهُ وَمَقْصِدِهِ.

"وَاللَّحْنُ": وَجْهَانِ صَوَابٌ وَخَطَأٌ، فَالْفِعْلُ مِنَ الصَّوَابِ: لَحِنَ يَلْحَنُ لَحْنًا فَهُوَ لَحِنٌ إِذَا فَطِنَ لِلشَّيْءِ، وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ". (٢)

وَالْفِعْلُ مِنَ الْخَطَأِ لَحَنَ يَلْحَنُ لَحْنًا فَهُوَ لَاحِنٌ. وَالْأَصْلُ فِيهِ: إِزَالَةُ الْكَلَامِ عَنْ جِهَتِهِ.

وَالْمَعْنَى: إِنَّكَ تَعْرِفُهُمْ فِيمَا يُعَرِّضُونَ بِهِ مِنْ تَهْجِينِ أَمْرِكَ وَأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ وَالِاسْتِهْزَاءِ بِهِمْ، فَكَانَ بَعْدَ هَذَا لَا يَتَكَلَّمُ مُنَافِقٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا عَرَفَهُ بِقَوْلِهِ، وَيَسْتَدِلُّ بِفَحْوَى كَلَامِهِ عَلَى فَسَادِ دَخِيلَتِهِ.

{وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ} .

{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (٣١) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ (٣٢) }

{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ} وَلِنُعَامِلَنَّكُمْ مُعَامَلَةَ الْمُخْتَبِرِ بِأَنْ نَأْمُرَكُمْ بِالْجِهَادِ وَالْقِتَالِ، {حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ} أَيْ: عِلْمَ الْوُجُودِ، يُرِيدُ: حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْمُجَاهِدُ وَالصَّابِرُ عَلَى دِينِهِ مِنْ غَيْرِهِ، {وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} أَيْ نُظْهِرُهَا وَنَكْشِفُهَا بِإِبَاءِ مَنْ يَأْبَى الْقِتَالَ، وَلَا يَصْبِرُ عَلَى الْجِهَادِ.

وَقَرَأَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ: "وَلَيَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى يَعْلَمَ"، وَيَبْلُو بِالْيَاءِ فِيهِنَّ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ["وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ"، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالنُّونِ فِيهِنَّ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى] (٣) "وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ"، وَقَرَأَ يَعْقُوبُ: "وَنَبْلُوا" سَاكِنَةَ الْوَاوِ، رَدًّا عَلَى قَوْلِهِ: "وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ" وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْفَتْحِ رَدًّا عَلَى قَوْلِهِ: "حَتَّى نَعْلَمَ".

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا} إِنَّمَا يَضُرُّونَ أَنْفُسَهُمْ، {وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ} فَلَا يَرَوْنَ لَهَا ثَوَابًا فِي الْآخِرَةِ،


(١) انظر: القرطبي: ١٦ / ٢٥٢.
(٢) قطعة من حديث أخرجه البخاري في الشهادات، باب من أقام البينة بعد اليمين. ٥ / ٢٨٨، ومسلم في الأقضية، باب: الحكم بالظاهر واللحن بالحجة برقم: (١٧١٣) : ٣ / ١٣٣٧.
(٣) ما بين القوسين ساقط من "أ".

<<  <  ج: ص:  >  >>