للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَقَامَتْ عَائِشَةُ تَغْسِلُ شِقَّ رَأْسِهِ الْآخَرِ. فَقَالَتِ: انْظُرْ فِي أَمْرِي جَعَلَنِي اللَّهُ فَدَاءَكَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَقْصِرِي حَدِيثَكِ وَمُجَادَلَتَكِ أَمَا تَرَيْنَ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ -وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ أَخَذَهُ مِثْلُ السُّبَاتِ -فَلَمَّا قُضِيَ الْوَحْيُ قَالَ لَهَا: ادْعِي زَوْجَكِ فَدَعَتْهُ، فَتَلَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ" الْآيَاتِ (١) .

قَالَتْ عَائِشَةُ: تَبَارَكَ الَّذِي وَسِعَ سَمْعُهُ الْأَصْوَاتَ كُلَّهَا إِنَّ الْمَرْأَةَ لَتُحَاوِرُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ أَسْمَعُ بَعْضَ كَلَامِهَا وَيَخْفَى عَلَيَّ بَعْضُهُ إِذْ أَنْزَلَ اللَّهُ: "قَدْ سَمِعَ اللَّهُ" الْآيَاتِ (٢) .

وَمَعْنَى قَوْلِهِ: {قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ} تُخَاصِمُكَ وَتُحَاوِرُكَ وَتَرَاجِعُكَ فِي زَوْجِهَا {وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا} مُرَاجَعَتَكُمَا الْكَلَامَ {إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} سَمِيعٌ لِمَا تُنَاجِيهِ وَتَتَضَرَّعُ إِلَيْهِ، بَصِيرٌ بِمَنْ يَشْكُو إِلَيْهِ، ثُمَّ ذَمَّ الظِّهَارَ فَقَالَ: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ}

{الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (٢) }

{الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ} قَرَأَ عَاصِمٌ: "يُظَاهِرُونَ" فِيهَا بِضَمِّ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِ الظَّاءِ وَأَلْفٍ بَعْدَهَا وَكَسْرِ الْهَاءِ. وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ، وَأَبُو جَعْفَرٍ، وَحَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ: بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالْهَاءِ، وَتَشْدِيدِ الظاء وألف بعده. اوَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِ الظَّاءِ وَالْهَاءِ مِنْ غَيْرِ أَلْفٍ.

{مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} أَيْ مَا اللَّوَاتِي يَجْعَلُونَهُنَّ مِنْ زَوْجَاتِهِمْ كَالْأُمَّهَاتِ بِأُمَّهَاتٍ. وَخَفَضَ التَّاءَ فِي "أُمَّهَاتِهِمْ" عَلَى خَبَرِ "مَا" وَمَحَلُّهُ نَصْبٌ كَقَوْلِهِ: "مَا هَذَا بَشَرًا" (يُوسُفَ -٣١) الْمَعْنَى: لَيْسَ هُنَّ بِأُمَّهَاتِهِمْ {إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ} أَيْ مَا أُمَّهَاتُهُمْ {إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ} لَا يُعْرَفُ فِي شَرْعٍ {وَزُورًا} كَذِبًا {وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} عَفَا عَنْهُمْ وَغَفَرَ لَهُمْ بِإِيجَابِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِمْ.

وَصُورَةُ الظِّهَارِ: أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ عَلِيَ كَظَهْرِ أُمِّي، أَوْ أَنْتِ مِنِّي أَوْ مَعِي أَوْ عِنْدِي كَظَهْرِ أُمِّي، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَبَطْنِ أُمِّي أَوْ كَرَأْسِ أُمِّي أَوْ كَيَدِ أُمِّي أَوْ قَالَ بَطْنُكِ أَوْ رَأْسُكِ أَوْ يَدُكِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ شَبَّهَ عُضْوًا مِنْهَا بِعُضْوٍ آخَرَ مِنْ أَعْضَاءِ أُمِّهِ فَيَكُونُ ظِهَارًا.


(١) أخرجه عبد الرازق في التفسير: ٢ / ٢٧٧، وصححه الحاكم: ٢ / ٤٨١. وانظر تفسير ابن كثير: ٤ / ٣١٩.
(٢) أخرجه عبد بن حميد في المنتخب من المسند، صفحة: (٤٣٨) ، والنسائي: ٦ / ١٨٦، والحاكم: ٢ / ٤٨١. وأخرجه الإمام أحمد: ٦ / ٤٦ بلفظ: "الحمد لله الذي ... "، والبخاري تعليقًا في كتاب التوحيد، باب (وكان الله سميعا بصيرا) ١٣ / ٣٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>