للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (١٣) أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٤) هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (١٥) أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (١٦) }

{إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ فِي الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَنَالُونَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُخْبِرُهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِمَا قَالُوا فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَسِرُّوا قَوْلَكُمْ كَيْ لَا يَسْمَعَ إِلَهُ مُحَمَّدٍ (١) .

فَقَالَ اللَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ} أَلَّا يَعْلَمُ مَا فِي الصُّدُورِ مَنْ خَلَقَهَا {وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} لَطِيفٌ عِلْمُهُ فِي الْقُلُوبِ الْخَبِيرُ بِمَا فِيهَا مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَالْوَسْوَسَةِ. وَقِيلَ "مَنْ" يَرْجِعُ إِلَى الْمَخْلُوقِ، أَيْ أَلَّا يَعْلَمَ اللَّهُ مَخْلُوقَهُ؟

{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا} سَهْلًا لَا يَمْتَنِعُ الْمَشْيُ فِيهَا بِالْحُزُونَةِ {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ: فِي جِبَالِهَا. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: فِي آكَامِهَا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: فِي طُرُقِهَا وَفِجَاجِهَا. قَالَ الْحَسَنُ: فِي سُبُلِهَا. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: فِي أَطْرَافِهَا. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: فِي نَوَاحِيهَا. قَالَ الْفَرَّاءُ: فِي جَوَانِبِهَا (٢) وَالْأَصْلُ فِي الْكَلِمَةِ الْجَانِبُ، وَمِنْهُ مَنْكِبُ الرَّجُلِ وَالرِّيحُ النَّكْبَاءُ وَتَنَكَّبَ فُلَانٌ [أَيْ جَانَبَ] (٣) {وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} مِمَّا خَلَقَهُ رِزْقًا لَكُمْ فِي الْأَرْضِ. {وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} أَيْ: وَإِلَيْهِ تُبْعَثُونَ مِنْ قُبُورِكُمْ. ثُمَّ خَوَّفَ الْكُفَّارَ فَقَالَ: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْ: عَذَابَ مَنْ فِي السَّمَاءِ إِنْ عَصَيْتُمُوهُ {أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} قَالَ الْحَسَنُ: تَتَحَرَّكُ بِأَهْلِهَا. وَقِيلَ: تَهْوِي بِهِمْ. وَالْمَعْنَى: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحَرِّكُ الْأَرْضَ عِنْدَ الْخَسْفِ بِهِمْ حَتَّى تُلْقِيَهُمْ إِلَى أَسْفَلَ، تَعْلُو عَلَيْهِمْ وَتَمُرُّ فَوْقَهُمْ. يُقَالُ: مَارَ يَمُورُ، أَيْ: جَاءَ وَذَهَبَ.


(١) انظر: زاد المسير: ٨ / ٣٢١.
(٢) معاني القرآن للفراء: ٣ / ١٧١.
(٣) ما بين القوسين ساقط من "أ".

<<  <  ج: ص:  >  >>