للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: تَنْدَمُ عَلَى مَا فَاتَ وَتَقُولُ: لَوْ فَعَلْتُ، وَلَوْ لَمْ أَفْعَلْ.

قَالَ الْفَرَّاءُ: لَيْسَ مِنْ نَفْسٍ بَرَّةٍ وَلَا فَاجِرَةٍ إِلَّا وَهِيَ تَلُومُ نَفْسَهَا، إِنْ كَانَتْ عَمِلَتْ خَيْرًا قَالَتْ: هَلَّا ازْدَدْتُ، وَإِنْ عَمِلَتْ شرًّا قَالَتْ: يَا لَيْتَنِي لَمْ أَفْعَلْ (١) قَالَ الْحَسَنُ: هِيَ النَّفْسُ الْمُؤْمِنَةُ، قَالَ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ -والله -ما تاره إِلَّا يَلُومُ نَفْسَهُ، مَا أَرَدْتُ بِكَلَامِي؟ مَا أَرَدْتُ بِأَكْلَتِي؟ وَإِنَّ الْفَاجِرَ يَمْضِي قُدُمًا لَا يُحَاسِبُ نَفْسَهُ وَلَا يُعَاتِبُهَا.

وَقَالَ مُقَاتِلٌ: هِيَ النَّفْسُ الْكَافِرَةُ تَلُومُ نَفْسَهَا فِي الْآخِرَةِ عَلَى مَا فَرَّطَتْ فِي أَمْرِ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا.

{أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (٣) بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ (٤) }

{أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ} نَزَلَتْ فِي عَدِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ، حَلِيفِ بَنِي زُهْرَةَ، خِتْنِ الْأَخْنَسِ بْنِ شُرَيْقٍ الثَّقَفِيِّ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ اكْفِنِي جَارِيَ السُّوءَ، يَعْنِي: عَدِيًّا وَالْأَخْنَسَ. وَذَلِكَ أَنَّ عَدِيَّ بْنَ رَبِيعَةَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ حَدِّثْنِي عَنِ الْقِيَامَةِ مَتَى تَكُونُ وَكَيْفَ أَمْرُهَا وَحَالُهَا؟ فَأَخْبَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: لَوْ عَايَنْتُ ذَلِكَ الْيَوْمَ لَمْ أُصَدِّقْكَ وَلَمْ أؤمن [بك] (٢) أو يجمع اللَّهُ الْعِظَامَ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: "أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ" (٣) يعني الكافر {أَن لن نَجْمَعَ عِظَامَهُ} بَعْدَ التَّفَرُّقِ وَالْبِلَى فَنُحْيِيهِ. قِيلَ: ذَكَرَ الْعِظَامَ وَأَرَادَ نَفْسَهُ لِأَنَّ الْعِظَامَ قَالِبُ النَّفْسِ لَا يَسْتَوِي الْخَلْقُ إِلَّا بِاسْتِوَائِهَا. وَقِيلَ: هُوَ خَارِجٌ عَلَى قَوْلِ الْمُنْكِرِ أو يجمع اللَّهُ الْعِظَامَ كَقَوْلِهِ: "قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ" (يس-٧٨) . {بَلَى قَادِرِينَ} أَيْ نَقْدِرُ، اسْتِقْبَالٌ صُرِفَ إِلَى الْحَالِ، قَالَ الْفَرَّاءُ "قَادِرِينَ" نُصِبَ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ نَجْمَعَ، كَمَا تَقُولُ فِي الْكَلَامِ أَتَحْسَبُ أَنْ لَا نَقْوَى عَلَيْكَ؟ بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَقْوَى مِنْكَ، يُرِيدُ: بَلْ قَادِرِينَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَا (٤)

مَجَازُ الْآيَةِ: بَلَى نَقْدِرُ عَلَى جَمْعِ عِظَامِهِ وَعَلَى مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ {عَلَى (٥) أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} أنامله، فنجعل ١٨٠/أأَصَابِعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ شَيْئًا وَاحِدًا كَخُفِّ الْبَعِيرِ وَحَافِرِ الْحِمَارِ، فَلَا


(١) انظر: معاني القرآن للفراء: ٣ / ٢٠٨.
(٢) في "أ" به.
(٣) ذكره الواحدي في أسباب النزول ص: (٥١٥) . قال الحافظ ابن حجر في الكافي الشاف ص (١٨٠) : "ذكره الثعلبي والبغوي والواحدي بغير إسناد".
(٤) انظر: معاني القرآن للفراء: ٣ / ٢٠٨.
(٥) لم ترد في النسختين وهي من الآية.

<<  <  ج: ص:  >  >>