للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ الْحَسَنُ: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ لِأَهْلِ النَّارِ مُدَّةً، بَلْ قَالَ: "لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا" فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا [إِذَا] (١) مَضَى حِقَبٌ دَخْلَ آخَرُ ثُمَّ آخَرُ إِلَى الْأَبَدِ، فَلَيْسَ لِلْأَحْقَابِ عِدَّةٌ إِلَّا الْخُلُودُ (٢) .

وَرَوَى السُّدِّيُّ عَنْ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: لَوْ عَلِمَ أَهْلُ النَّارِ أَنَّهُمْ يَلْبَثُونَ فِي النَّارِ عَدَدَ حَصَى الدُّنْيَا لَفَرِحُوا، وَلَوْ عَلِمَ أَهْلُ الْجَنَّةِ أَنَّهُمْ يَلْبَثُونَ فِي الْجَنَّةِ عَدَدَ حَصَى الدُّنْيَا لَحَزِنُوا.

وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: الْحِقْبُ الْوَاحِدُ سَبْعَ عَشْرَةَ أَلْفِ سَنَةٍ. قَالَ: وَهَذِهِ الْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ نَسَخَتْهَا "فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا" يَعْنِي أَنَّ الْعَدَدَ قَدِ ارْتَفَعَ وَالْخُلُودَ قَدْ حَصَلَ (٣) .

{لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا (٢٤) إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا (٢٥) جَزَاءً وِفَاقًا (٢٦) إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا (٢٧) وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّابًا (٢٨) وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا (٢٩) }

{لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا} رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ الْبَرْدَ النَّوْمُ، وَمِثْلُهُ قَالَ الْكِسَائِيُّ وَ [قَالَ] (٤) أَبُو عُبَيْدَةَ، تَقُولُ الْعَرَبُ: مَنَعَ الْبَرْدُ، الْبَرْدَ أَيْ أَذْهَبَ الْبَرْدُ النَّوْمَ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَعَطَاءٌ: "لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا" أَيْ: رَوْحًا وَرَاحَةً. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: "لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا" يَنْفَعُهُمْ مِنْ حَرٍّ، "وَلَا شَرَابًا" يَنْفَعُهُمْ مِنْ عَطَشٍ. {إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "الْغَسَّاقُ" الزَّمْهَرِيرُ يَحْرِقُهُمْ بِبَرْدِهِ. وَقِيلَ: صَدِيدُ أَهْلِ النَّارِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي سُورَةِ "ص" (٥) {جَزَاءً وِفَاقًا} أَيْ جَزَيْنَاهُمْ جَزَاءً وَافَقَ أَعْمَالَهُمْ. قَالَ مُقَاتِلٌ: وَافَقَ الْعَذَابُ الذَّنْبَ، فَلَا ذَنْبَ أَعْظَمَ مِنَ الشِّرْكِ، وَلَا عَذَابَ أَعْظَمَ مِنَ النَّارِ. {إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا} لَا يَخَافُونَ أَنْ يُحَاسَبُوا، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يُؤْمِنُونَ بِالْبَعْثِ وَلَا بِأَنَّهُمْ مُحَاسَبُونَ. {وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} أَيْ بِمَا جَاءَتْ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ {كِذَّابًا} تَكْذِيبًا، قَالَ الْفَرَّاءُ: هِيَ لُغَةٌ يَمَانِيَّةٌ فَصِيحَةٌ، يَقُولُونَ فِي مَصْدَرِ التَّفْعِيلِ فِعَّالٌ وَقَالَ: قَالَ لِي أَعْرَابِيٌّ مِنْهُمْ عَلَى الْمَرْوَةِ يَسْتَفْتِينِي: الْحَلْقُ أَحَبُّ


(١) ساقط من "ب".
(٢) انظر: الطبري: ٣٠ / ١١-١٢.
(٣) قال الطبري: ٣٠ / ١٢: "ولا معنى لهذا القول لأن قوله (لابثين فيها أحقابا) خبر، والأخبار لا يكون فيها نسخ، وإنما النسخ يكون في الأمر والنهي".
(٤) ساقط من "أ".
(٥) "وغساق": قرأ حمزة، والكسائي وحفص: "وغسَّاق" حيث كان بالتشديد، وخففها الآخرون، فمن شدد جعله اسمًا على فَعَّال، نحو: الخباز والطباخ، ومن خفف جعله اسمًا على فَعَال نحو العذاب.
واختلفوا في معنى الغساق، قال ابن عباس: هو الزمهرير يحرقهم ببرده، كما تحرقهم النار بحرّها.
وقال مقاتل ومجاهد: هو الذي انتهى برده.
وقيل: هو المنتن بلغة الترك.
وقال قتادة: هو ما يغسق أي: ما يسيل من القيح والصديد من جلود أهل النار، ولحومهم، وفروج الزناة، من قوله: غَسِقَتْ عينه إذا انصبَّت، والغسقان الانصباب.

<<  <  ج: ص:  >  >>