للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ الْحَسَنُ: لَوْ عَلِمَ الزَّاهِدُونَ الْعَابِدُونَ أَنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ رَبَّهُمْ فِي الْمَعَادِ لَزَهَقَتْ أَنْفُسُهُمْ فِي الدُّنْيَا.

قَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ: كَمَا حَجَبَهُمْ فِي الدُّنْيَا عَنْ تَوْحِيدِهِ حَجَبَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَنْ رُؤْيَتِهِ.

وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ: لَمَّا حَجَبَ [اللَّهُ] (١) أَعْدَاءَهُ فَلَمْ يَرَوْهُ تَجَلَّى لِأَوْلِيَائِهِ حَتَّى رَأَوْهُ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فِي قَوْلِهِ: "كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ" دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ يَرَوْنَ اللَّهَ (٢) .

{ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ (١٦) ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (١٧) كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (١٨) }

ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّ الْكُفَّارَ مَعَ كَوْنِهِمْ مَحْجُوبِينَ عَنِ اللَّهِ يَدْخُلُونَ النَّارَ فَقَالَ: {ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ} لَدَاخِلُو النَّارِ.

{ثُمَّ يُقَالُ} أَيْ تَقُولُ لَهُمُ الْخَزَنَةُ {هَذَا} أَيْ هَذَا الْعَذَابُ {الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ}

{كَلَّا} قَالَ مُقَاتِلٌ: لَا يُؤْمِنُ بِالْعَذَابِ الَّذِي يَصْلَاهُ. ثُمَّ بَيَّنَ مَحَلَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ فَقَالَ: {إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ} رُوِّينَا عَنِ الْبَرَاءِ مَرْفُوعًا: "إِنَّ عِلِّيِّينَ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ تَحْتَ الْعَرْشِ" (٣) .

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ لَوْحٌ مِنْ زَبَرْجَدَةٍ خَضْرَاءَ مُعَلَّقٌ تَحْتَ الْعَرْشِ أَعْمَالُهُمْ مَكْتُوبَةٌ فِيهِ.

وَقَالَ كَعْبٌ وَقَتَادَةُ: هُوَ قَائِمَةُ الْعَرْشِ الْيُمْنَى.

وَقَالَ عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هُوَ الْجَنَّةُ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى.

وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَعَانِي: عُلُوٌّ بَعْدَ عُلُوٍّ وَشَرَفٌ بَعْدَ شَرَفٍ، وَلِذَلِكَ جُمِعَتْ بِالْيَاءِ وَالنُّونِ.

وَقَالَ الْفَرَّاءُ: هُوَ اسْمٌ مَوْضُوعٌ عَلَى صِيغَةِ الْجَمْعِ، لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ، مِثْلُ عِشْرِينَ وَثَلَاثِينَ (٤) .


(١) لفظ الجلالة ساقط من "ب".
(٢) قال الحافظ ابن كثير: ٤ / ٤٨٧: "وهذا الذي قاله الإمام الشافعي - رحمه الله - في غاية الحسن وهو استدلال بمفهوم هذه الآية. كما دل عليه منطوق قوله تعالى: (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) وكما دلت على ذلك الأحاديث الصحاح المتواترة في رؤية المؤمنين ربهم عز وجل في الدار الآخرة رؤية بالأبصار في عرصات القيامة وفي روضات الجنان الفاخرة".
(٣) انظر فيما سبق تخريج حديث البراء عند الآية السابعة من السورة ص ٣٦٣.
(٤) انظر: معاني القرآن للفراء: ٣ / ٢٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>