للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[وَتَأْوِيلُ الْآيَةِ: كُلُّ نَفْسٍ عَلَيْهَا حَافِظٌ مِنْ رَبِّهَا] (١) يَحْفَظُ عَمَلَهَا وَيُحْصِي عَلَيْهَا مَا تَكْتَسِبُ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُمُ الْحَفَظَةُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: حَافِظٌ مِنَ اللَّهِ يَحْفَظُهَا وَيَحْفَظُ قَوْلَهَا وَفِعْلَهَا حَتَّى يَدْفَعَهَا وَيُسَلِّمَهَا إِلَى الْمَقَادِيرِ، ثُمَّ يُخَلِّي عَنْهَا.

{فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (٥) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (٦) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (٧) إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (٨) يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (٩) }

{فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ} أَيْ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ رَبُّهُ، أَيْ فَلْيَنْظُرْ نَظَرَ الْمُتَفَكِّرِ.

ثُمَّ بَيَّنَ فَقَالَ: {خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} مَدْفُوقٍ أَيْ مَصْبُوبٍ فِي الرَّحِمِ، وَهُوَ الْمَنِيُّ، فَاعِلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ كَقَوْلِهِ: "عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ" (الْحَاقَّةِ-٢١) أَيْ مَرَضِيَّةٍ، وَالدَّفْقُ: الصَّبُّ، وَأَرَادَ مَاءَ الرَّجُلِ وَمَاءَ الْمَرْأَةِ، لِأَنَّ الْوَلَدَ مَخْلُوقٌ مِنْهُمَا، وَجَعَلَهُ وَاحِدًا لِامْتِزَاجِهِمَا.

{يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} يَعْنِي صُلْبَ الرَّجُلِ وَتَرَائِبَ الْمَرْأَةِ، وَ"الترائب" جمع التربية، وَهِيَ عِظَامُ الصَّدْرِ وَالنَّحْرِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هِيَ مَوْضِعُ الْقِلَادَةِ مِنَ الصَّدْرِ. وَرَوَى الْوَالِبِيُّ عَنْهُ: بَيْنَ ثَدْيَيِ الْمَرْأَةِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: النَّحْرُ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: الصَّدْرُ.

{إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ} قَالَ مُجَاهِدٌ: عَلَى رَدِّ النُّطْفَةِ فِي الْإِحْلِيلِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: عَلَى رَدِّ الْمَاءِ فِي الصُّلْبِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: إِنَّهُ عَلَى رَدِّ الْإِنْسَانِ مَاءً كَمَا كَانَ مِنْ قَبْلُ لِقَادِرٌ. وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: [إِنْ شَاءَ رَدَّهُ] (٢) مِنَ الْكِبَرِ إِلَى الشَّبَابِ، وَمِنَ الشَّبَابِ إِلَى الصِّبَا، وَمِنَ الصِّبَا إِلَى النُّطْفَةِ، وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: إِنَّهُ عَلَى حَبْسِ ذَلِكَ الْمَاءِ لِقَادِرٌ حَتَّى لَا يَخْرُجَ وَقَالَ قَتَادَةُ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى بَعْثِ الْإِنْسَانِ وَإِعَادَتِهِ قَادِرٌ وَهَذَا أَوْلَى الْأَقَاوِيلِ لِقَوْلِهِ: {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ}

{يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} وَذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْلَى السَّرَائِرُ، تُظْهَرُ الْخَفَايَا قَالَ قَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ: تُخْتَبَرُ [الْأَعْمَالُ] (٣) قَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ: السَّرَائِرُ فَرَائِضُ الْأَعْمَالِ، كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ [وَالْوُضُوءِ] (٤) وَالِاغْتِسَالِ مِنَ الْجَنَابَةِ، فَإِنَّهَا سَرَائِرُ بَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَبَيْنَ الْعَبْدِ، فَلَوْ شَاءَ الْعَبْدُ لقال: صمت ١٩٠/أوَلَمْ يَصُمْ، وَصَلَّيْتُ، وَلَمْ يُصَلِّ، وَاغْتَسَلْتُ وَلَمْ يَغْتَسِلْ، فَيُخْتَبَرُ حَتَّى يَظْهَرَ مَنْ أَدَّاهَا مِمَّنْ ضَيَّعَهَا.

قَالَ ابْنُ عُمَرَ: بِيَدَيِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كُلُّ سِرٍّ، فَيَكُونُ زَيْنًا فِي وُجُوهٍ وَشَيْنًا فِي وُجُوهٍ،


(١) ما بين القوسين ساقط من "أ".
(٢) في "ب" إن شئت رددته.
(٣) في "ب" إن شئت رددته.
(٤) في "ب" إن شئت رددته.

<<  <  ج: ص:  >  >>