للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَاصِمٌ بِالنَّصْبِ عَلَى خَبَرِ كَانَ وَأُضْمِرَ الِاسْمُ، مَجَازُهُ: إِلَّا أَنْ تَكُونَ التِّجَارَةُ تِجَارَةً {حَاضِرَةً} (١) أَوِ الْمُبَايَعَةُ تِجَارَةً، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالرَّفْعِ وَلَهُ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ تَجْعَلَ الْكَوْنَ بِمَعْنَى الْوُقُوعِ مَعْنَاهُ إِلَّا أَنْ تَقَعَ تِجَارَةٌ.

وَالثَّانِي: أَنْ تَجْعَلَ الِاسْمَ فِي التِّجَارَةِ وَالْخَبَرَ فِي الْفِعْلِ وَهُوَ قَوْلُهُ {تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ} تَقْدِيرُهُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً دَائِرَةً بَيْنَكُمْ، وَمَعْنَى الْآيَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً يَدًا بِيَدٍ تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ لَيْسَ فِيهَا أَجْلٌ {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلا لا تَكْتُبُوهَا} يَعْنِي التِّجَارَةَ {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} قَالَ الضَّحَّاكُ: هُوَ عَزْمٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْإِشْهَادُ وَاجِبٌ فِي صَغِيرِ الْحَقِّ وَكَبِيرِهِ نَقْدًا أَوْ نَسِيئًا، وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الْأَمْرُ فِيهِ إِلَى الْأَمَانَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى "فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا" الْآيَةَ، وَقَالَ الْآخَرُونَ هُوَ أَمْرُ نَدْبٍ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ} هَذَا نَهْيٌ لِلْغَائِبِ، وَأَصْلُهُ يُضَارِرْ، فَأُدْغِمَتْ إِحْدَى الرَّائَيْنِ فِي الْأُخْرَى وَنُصِبَتْ لِحَقِّ التَّضْعِيفِ لِاجْتِمَاعِ السَّاكِنَيْنِ، وَاخْتَلَفُوا فِيهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: أَصْلُهُ يُضَارِرْ بِكَسْرِ الرَّاءِ الْأُولَى، وَجَعْلِ الْفِعْلِ لِلْكَاتِبِ وَالشَّهِيدِ، مَعْنَاهُ لَا يُضَارَّ الْكَاتِبُ فَيَأْبَى أَنْ يَكْتُبَ وَلَا الشَّهِيدُ فَيَأْبَى أَنْ يَشْهَدَ، وَلَا يُضَارَّ الْكَاتِبُ فَيَزِيدُ أَوْ يَنْقُصُ أَوْ يُحَرِّفُ مَا أُمْلِيَ عَلَيْهِ وَلَا الشَّهِيدُ فَيَشْهَدُ بِمَا لَمْ يُسْتَشْهَدْ عَلَيْهِ، وَهَذَا قَوْلُ طاووس وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ، وَقَالَ قَوْمٌ: أَصْلُهُ يُضَارَرْ بِفَتْحِ الرَّاءِ عَلَى الْفِعْلِ الْمَجْهُولِ وَجَعَلُوا الْكَاتِبَ وَالشَّهِيدَ مَفْعُولَيْنِ وَمَعْنَاهُ أَنْ يَدْعُوَ الرَّجُلُ الْكَاتِبَ أَوِ الشَّاهِدَ وَهُمَا عَلَى شُغْلٍ مُهِمٍّ، فَيَقُولَانِ: نَحْنُ عَلَى شُغْلٍ مُهِمٍّ فَاطْلُبْ غَيْرَنَا فَيَقُولُ الدَّاعِي إِنَّ اللَّهَ أَمَرَكُمَا أَنْ تُجِيبَا وَيَلِحَّ عَلَيْهِمَا فَيَشْغَلُهُمَا عَنْ حَاجَتِهِمَا فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ وَأَمَرَ بِطَلَبِ غَيْرِهِمَا {وَإِنْ تَفْعَلُوا} مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ مِنَ الضَّرَرِ {فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ} أَيْ مَعْصِيَةٌ وَخُرُوجٌ عَنِ الْأَمْرِ {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِ شَيْءٍ عَلِيمٌ}

{وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو فَرُهُنٌ بِضَمِّ الْهَاءِ وَالرَّاءِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ فَرِهَانٌ، وَهُوَ جَمْعُ رَهْنٍ مِثْلُ بَغْلٍ وَبِغَالٍ وَجَبَلٍ وَجِبَالٍ، وَالرُّهُنُ جَمْعُ الرِّهَانِ جَمْعُ الْجَمْعِ، قَالَهُ الْفَرَّاءُ وَالْكِسَائِيُّ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ (٢) وَغَيْرُهُ: هُوَ جَمْعُ الرَّهْنِ أَيْضًا مِثْلُ سَقْفٍ وَسُقُفٍ وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو وَإِنَّمَا قَرَأْنَا فَرُهُنٌ لِيَكُونَ فَرْقًا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ رِهَانِ الْخَيْلِ، وَقَرَأَ عِكْرِمَةُ فَرُهْنٌ بِضَمِّ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْهَاءِ، وَالتَّخْفِيفُ وَالتَّثْقِيلُ فِي الرُّهْنِ لُغَتَانِ مِثْلُ كُتْبٍ وَكُتُبٍ وَرُسْلٍ وَرُسُلٍ وَمَعْنَى الْآيَةِ: وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا آلَاتِ الْكَاتِبَةِ فَارْتَهِنُوا مِمَّنْ تُدَايِنُونَهُ رُهُونًا لِتَكُونَ وَثِيقَةً لَكُمْ بِأَمْوَالِكُمْ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الرَّهْنَ لَا يَتِمُّ إِلَّا بالقبض، وقوله "فرهن مَقْبُوضَةٌ" أَيِ ارْتَهِنُوا وَاقْبِضُوا حَتَّى لَوْ رَهَنَ وَلَمْ يُسَلِّمْ فَلَا يُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى التَّسْلِيمِ فَإِذَا سَلَّمَ لَزِمَ مِنْ جِهَةِ الرَّاهِنِ حَتَّى لَا يَجُوزَ لَهُ أَنْ يَسْتَرْجِعَهُ مَا دَامَ شَيْءٌ مِنَ الْحَقِّ بَاقِيًا، وَيَجُوزُ فِي الْحَضَرِ الرَّهْنُ مَعَ وُجُودِ الْكَاتِبِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لَا يَجُوزُ الرَّهْنُ إِلَّا فِي السَّفَرِ عِنْدَ عَدَمِ الْكَاتِبِ لِظَاهِرِ الْآيَةِ، وَعِنْدَ الْآخَرِينَ


(١) ساقط من نسخة (ب) .
(٢) في نسخة ب أبو عبيدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>