للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بعضهم خيرا مُسْتَأْنَفًا، دَلِيلُ هَذَا التَّأْوِيلِ: قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا "وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ وَدَّتْ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا".

قَوْلُهُ تَعَالَى: {تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا} أَيْ بَيْنَ النَّفْسِ {وَبَيْنَهُ} يَعْنِي وَبَيْنَ السُّوءِ {أَمَدًا بَعِيدًا} قَالَ السُّدِّيُّ: مَكَانًا بَعِيدًا، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: كَمَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، وَالْأَمَدُ الْأَجَلُ وَالْغَايَةُ الَّتِي يُنْتَهَى إِلَيْهَا، وَقَالَ الْحَسَنُ: يَسُرُّ أَحَدَهُمْ أَنْ لَا يَلْقَى عَمَلَهُ أَبَدًا، وَقِيلَ يَوَدُّ أَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْهُ {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}

{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣١) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (٣٢) }

قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى حَيْثُ قَالُوا: نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ (١) .

وَقَالَ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: وَقَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قُرَيْشٍ وَهُمْ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَقَدْ نَصَبُوا أَصْنَامَهُمْ وَعَلَّقُوا عَلَيْهَا بَيْضَ النَّعَامِ وَجَعَلُوا فِي آذَانِهَا (الشُّنُوفَ) (٢) وَهُمْ يَسْجُدُونَ لَهَا، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ وَاللَّهِ لَقَدْ خَالَفْتُمْ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ" (٣) فَقَالَتْ لَهُ قُرَيْشٌ إِنَّمَا نَعْبُدُهَا حُبًّا لِلَّهِ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قُلْ يَا مُحَمَّدُ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ وَتَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ لِيُقَرِّبُوكُمْ إِلَيْهِ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ، فَأَنَا رَسُولُهُ إِلَيْكُمْ وَحُجَّتُهُ عَلَيْكُمْ، أَيِ اتَّبِعُوا شَرِيعَتِي وَسُنَّتِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ فَحُبُّ الْمُؤْمِنِينَ لِلَّهِ اتِّبَاعُهُمْ أَمْرَهُ وَإِيثَارُ طَاعَتِهِ وَابْتِغَاءُ مَرْضَاتِهِ، وَحُبُّ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِينَ ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِمْ وَثَوَابُهُ لَهُمْ وَعَفْوُهُ عَنْهُمْ فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} .

وَقِيلَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ لِأَصْحَابِهِ إِنَّ مُحَمَّدًا يَجْعَلُ طَاعَتَهُ كَطَاعَةِ اللَّهِ وَيَأْمُرُنَا أَنْ نُحِبَّهُ كَمَا أَحَبَّتِ النَّصَارَى عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ فَنَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا} أَعْرَضُوا عَنْ طَاعَتِهِمَا {فَإِنَّ اللَّهَ لايُحِبّ الْكَافِرِينَ} لَا يَرْضَى فِعْلَهُمْ وَلَا يَغْفِرُ لَهُمْ.

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمُلَيْحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ، أَنَا فُلَيْحٌ، أَنَا هِلَالُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى" قَالُوا وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ "مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ


(١) أسباب النزول للواحدي: ص (١٣٥) .
(٢) القرط.
(٣) انظر: البحر المحيط: ٢ / ٤٣١ وفي رواية الضحاك عن ابن عباس مجاهيل وأسباب النزول ص (١٣٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>