للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَكَانَ لِتِلْكَ الْمَدِينَةِ جَبَّارٌ مُتَعَدٍّ فَجَاءَ ذَلِكَ الرَّجُلُ يَوْمًا مُهْتَمًّا حَزِينًا فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ وَمَرْيَمُ عِنْدَ امْرَأَتِهِ فَقَالَتْ لَهَا مَرْيَمُ: مَا شَأْنُ زَوْجِكِ أَرَاهُ كَئِيبًا، قَالَتْ: لَا تَسْأَلِينِي، قَالَتْ: أَخْبِرِينِي لَعَلَّ اللَّهَ يُفَرِّجُ كُرْبَتَهُ، قَالَتْ: إِنَّ لَنَا مَلِكًا يَجْعَلُ عَلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنَّا يَوْمًا أَنْ يُطْعِمَهُ وَجُنُودَهُ وَيَسْقِيَهُمُ الْخَمْرَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ عَاقَبَهُ، وَالْيَوْمَ نَوْبَتُنَا وَلَيْسَ لِذَلِكَ عِنْدَنَا سَعَةٌ، قَالَتْ: فَقُولِي لَهُ لَا يَهْتَمُّ فَإِنِّي آمُرُ ابْنِي فَيَدْعُو لَهُ فَيُكْفَى ذَلِكَ، فَقَالَتْ مَرْيَمُ لِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ عِيسَى: إِنْ فَعَلْتُ ذَلِكَ وَقَعَ شَرٌّ، قَالَتْ: فَلَا تُبَالِ فَإِنَّهُ قَدْ أَحْسَنَ إِلَيْنَا وَأَكْرَمَنَا، قَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقُولِي لَهُ إِذَا اقْتَرَبَ ذَلِكَ فَامْلَأْ قُدُورَكَ وَخَوَابِيكَ مَاءً ثُمَّ أَعْلِمْنِي فَفَعَلَ ذَلِكَ، فَدَعَا اللَّهَ تَعَالَى عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَتَحَوَّلَ مَاءُ الْقُدُورِ مَرَقًا وَلَحْمًا وَمَاءُ الْخَوَابِي خَمْرًا لَمْ يَرَ النَّاسُ مِثْلَهُ قَطُّ فَلَمَّا جَاءَ الْمَلِكُ أَكَلَ فَلَمَّا شَرِبَ الْخَمْرَ قَالَ: مِنْ أَيْنَ هَذَا الْخَمْرُ قَالَ: مَنْ أَرْضِ كَذَا، قَالَ [الْمَلِكُ] (١) فَإِنَّ خَمْرِي مِنْ تِلْكَ الْأَرْضِ وَلَيْسَتْ مِثْلَ هَذِهِ قَالَ: هِيَ مِنْ أَرْضٍ أُخْرَى، فَلَمَّا خَلَطَ عَلَى الْمَلِكِ وَاشْتَدَّ عَلَيْهِ قَالَ: فَأَنَا أُخْبِرُكَ عِنْدِي غُلَامٌ لَا يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ، وَإِنَّهُ دَعَا اللَّهُ فَجَعَلَ الْمَاءَ خَمْرًا وَكَانَ لِلْمَلِكِ ابْنٌ يُرِيدُ أَنْ يَسْتَخْلِفَهُ فَمَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ بِأَيَّامٍ، وَكَانَ أَحَبَّ الْخَلْقِ إِلَيْهِ، فَقَالَ: إِنَّ رَجُلًا دَعَا اللَّهَ حَتَّى جَعَلَ الْمَاءَ خَمْرًا [لَيُسْتَجَابُ لَهُ] (٢) حَتَّى يُحْيِيَ ابْنِي، فَدَعَا عِيسَى فَكَلَّمَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ عِيسَى: لَا تَفْعَلْ فَإِنَّهُ إِنْ عَاشَ وَقَعَ شَرٌّ، فَقَالَ الْمَلِكُ: لَا أُبَالِي أَلَيْسَ أَرَاهُ قَالَ عِيسَى: إِنْ أَحْيَيْتُهُ تَتْرُكُونِي وَأُمِّي نَذْهَبُ حَيْثُ نَشَاءُ، قَالَ: نَعَمْ فَدَعَا اللَّهَ فَعَاشَ الْغُلَامُ فَلَمَّا رَآهُ أَهْلُ مَمْلَكَتِهِ قَدْ عَاشَ تَبَادَرُوا بِالسِّلَاحِ، وَقَالُوا: أَكَلَنَا هَذَا حَتَّى إِذَا دَنَا مَوْتُهُ يُرِيدُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ عَلَيْنَا ابْنَهُ فَيَأْكُلُنَا كَمَا أَكَلَ أَبُوهُ فَاقْتَتَلُوا فَذَهَبَ عِيسَى وَأُمُّهُ فَمَرَّ بِالْحَوَارِيِّينَ وَهُمْ يَصْطَادُونَ السَّمَكَ، فَقَالَ: مَا تَصْنَعُونَ؟ فَقَالُوا: نَصْطَادُ السَّمَكَ قَالَ: أَفَلَا تَمْشُونَ حَتَّى نَصْطَادَ النَّاسَ، قَالُوا: وَمَنْ أَنْتَ قَالَ: أَنَا عِيسَى بن مَرْيَمَ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ فَآمَنُوا بِهِ وَانْطَلَقُوا مَعَهُ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} قَالَ السُّدِّيُّ وَابْنُ جُرَيْجٍ: مَعَ اللَّهِ تَعَالَى تَقُولُ الْعَرَبُ: الذَّوْدُ إِلَى الذَّوْدِ إِبِلٌ أَيْ مَعَ الذَّوْدِ وَكَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: " وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ " (٢ -النِّسَاءِ) أَيْ مَعَ أَمْوَالِكُمْ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ: إِلَى بِمَعْنَى فِي أَيْ مَنْ أَعْوَانِي فِي اللَّهِ أَيْ فِي ذَاتِ اللَّهِ وَسَبِيلِهِ، وَقِيلَ إِلَى فِي مَوْضِعِهِ مَعْنَاهُ مَنْ يَضُمُّ نُصْرَتَهُ إِلَى نُصْرَةِ اللَّهِ لِي وَاخْتَلَفُوا فِي الْحَوَارِيِّينَ قَالَ مُجَاهِدٌ وَالسُّدِّيُّ: كَانُوا صَيَّادِينَ يَصْطَادُونَ السَّمَكَ سُمُّوا حَوَارِيِّينَ لِبَيَاضِ ثِيَابِهِمْ، وَقِيلَ: كَانُوا مَلَّاحِينَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: كَانُوا قَصَّارِينَ سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُحَوِّرُونَ الثِّيَابَ أَيْ يُبَيِّضُونَهَا. وَقَالَ عَطَاءٌ: سَلَّمَتْ مَرْيَمُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى أَعْمَالٍ شَتَّى فَكَانَ آخِرُ مَا دَفَعَتْهُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ، وَكَانُوا قَصَّارِينَ وَصَبَّاغِينَ فَدَفَعَتْهُ إِلَى رَئِيسِهِمْ لِيَتَعَلَّمَ مِنْهُ فَاجْتَمَعَ عِنْدَهُ ثِيَابٌ وَعَرَضَ لَهُ سَفَرٌ، فَقَالَ لِعِيسَى: إِنَّكَ قَدْ تَعَلَّمْتَ هَذِهِ الْحِرْفَةَ وَأَنَا خَارِجٌ فِي سَفَرٍ لَا


(١) ساقط من "أ".
(٢) في "ب": ليجاء به إلى.

<<  <  ج: ص:  >  >>