للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَقَالَ: هَذَا فَرْقٌ بَيْنَ الْمُقَاتَلَةِ وَالذُّرِّيَّةِ، وَكَتَبَ أَنْ يُفْرَضَ لِابْنِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فِي الْمُقَاتَلَةِ، وَمَنْ لَمْ يَبْلُغْهَا فِي الذُّرِّيَّةِ. وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: بُلُوغُ الْجَارِيَةِ بِاسْتِكْمَالِ سَبْعَ عَشْرَةَ، وَبُلُوغُ الْغُلَامِ بِاسْتِكْمَالِ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً.

وَأَمَّا الِاحْتِلَامُ فَنَعْنِي بِهِ نُزُولَ الْمَنِيِّ سَوَاءً كَانَ بِالِاحْتِلَامِ أَوْ بِالْجِمَاعِ، أَوْ غَيْرِهِمَا، فَإِذَا وَجَدْتَ ذَلِكَ بَعْدَ اسْتِكْمَالِ تِسْعِ سِنِينَ مِنْ أَيِّهِمَا كَانَ حُكْمٌ بِبُلُوغِهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذٍ فِي الْجِزْيَةِ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ: "خُذْ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا" (١) .

وَأَمَّا الْإِنْبَاتُ، وَهُوَ نَبَاتُ الشَّعْرِ الْخَشِنِ حَوْلَ الْفَرَجِ: فَهُوَ بُلُوغٌ فِي أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَطِيَّةَ الْقُرَظِيِّ قَالَ: كُنْتُ مِنْ سَبْيِ قُرَيْظَةَ، فَكَانُوا يَنْظُرُونَ فَمَنْ أُنْبِتَ الشَّعْرَ قُتِلَ، وَمَنْ لَمْ يُنْبَتْ لَمْ يُقْتَلْ، فَكُنْتُ مِمَّنْ لَمْ يُنْبَتْ (٢) .

وَهَلْ يَكُونُ ذَلِكَ بُلُوغًا فِي أَوْلَادِ الْمُسْلِمِينَ؟ فِيهِ قَوْلَانِ، أَحَدُهُمَا: يَكُونُ بُلُوغًا كَمَا فِي أَوْلَادِ الْكُفَّارِ، وَالثَّانِي: لَا يَكُونُ بُلُوغًا لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَى مَوَالِيدِ الْمُسْلِمِينَ بِالرُّجُوعِ إِلَى آبَائِهِمْ، وَفِي الْكُفَّارِ لَا يُوقَفُ عَلَى مَوَالِيدِهِمْ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ آبَائِهِمْ فِيهِ لِكُفْرِهِمْ، فَجُعِلَ الْإِنْبَاتُ الَّذِي هُوَ أَمَارَةُ الْبُلُوغِ بُلُوغًا فِي حَقِّهِمْ.

وَأَمَّا مَا يَخْتَصُّ بِالنِّسَاءِ: فَالْحَيْضُ وَالْحَبَلُ، فَإِذَا حَاضَتِ الْمَرْأَةُ بَعْدَ اسْتِكْمَالِ تِسْعِ سِنِينَ يُحْكَمُ بِبُلُوغِهَا، وَكَذَلِكَ إِذَا وَلَدَتْ يُحْكَمُ بِبُلُوغِهَا قَبْلَ الْوَضْعِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ لِأَنَّهَا أَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ.

وَأَمَّا الرُّشْدُ: فَهُوَ أَنْ يَكُونَ مُصْلِحًا فِي دِينِهِ وَمَالِهِ، فَالصَّلَاحُ فِي الدِّينِ هُوَ أَنْ يَكُونَ مُجْتَنِبًا عَنِ الْفَوَاحِشِ وَالْمَعَاصِي الَّتِي تُسْقِطُ الْعَدَالَةَ، وَالصَّلَاحُ فِي الْمَالِ هُوَ أَنْ لَا يَكُونَ مُبَذِّرًا، وَالتَّبْذِيرُ: هُوَ أَنْ يُنْفِقَ مَالَهُ فِيمَا لَا يَكُونُ فِيهِ مَحْمَدَةٌ دُنْيَوِيَّةٌ وَلَا مَثُوبَةٌ أُخْرَوِيَّةٌ، أَوْ لَا يُحْسِنُ التَّصَرُّفَ فِيهَا، فَيَغِبْنُ فِي الْبُيُوعِ فَإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ وَهُوَ مُفْسِدٌ فِي دِينِهِ وَغَيْرُ مُصْلِحٍ لِمَالِهِ، دَامَ الْحَجْرُ عَلَيْهِ، وَلَا يُدْفَعُ إِلَيْهِ مَالُهُ وَلَا يُنْفَذُ تَصَرُّفُهُ.

وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِذَا كَانَ مُصْلِحًا لِمَالِهِ زَالَ الْحَجْرُ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ مفسدا في دنيه، وَإِذَا


(١) قطعة من حديث أخرجه أبو داود في الزكاة، باب في زكاة السائمة: ٢ / ١٩٥، والترمذي في الزكاة، باب ما جاء في زكاة البقر: ٣ / ٢٥٧، وقال: هذا حديث حسن. ثم قال: وروى بعضهم هذا الحديث عن سفيان عن الأعمش عن أبي وائل عن مسروق. . . وهذا أصح، وأخرجه النسائي في الزكاة، باب زكاة البقر: ٥ / ٢٦، والدارقطني: ٢ / ١٠٢، والحاكم: ١ / ٣٩٨ وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، وأحمد في المسند: ٥ / ٢٣٠، ٢٣٣، شرح السنة: ٦ / ١٩، وانظر ما قاله ابن حجر في تلخيص الحبير: ٤ / ١٢٢.
(٢) أخرجه أبو داود في الحدود، باب في الغلام يصيب الحد: ٦ / ٢٣٣، والترمذي في السير، باب ما جاء في الحلف: ٥ / ٢٠٨ وقال: هذا حديث حسن صحيح، والنسائي في قطع السارق، باب القطع في السفر ٨ / ٩٢. وابن ماجه في الحدود، باب من لا يجب عليه الحد، برقم (٢٥٤١) : ٢ / ٨٤٩، والدارمي في السير، باب حد الصبي متى يقتل: ٢ / ٢٢٣، والإمام أحمد في المسند: ٤ / ٣١٠، ٥ / ٣١٢، وأخرجه ابن حبان، في موارد الظمآن، ص (٣٦٠) .

<<  <  ج: ص:  >  >>