للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَقَاتِلْ} جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ {وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} فَقَاتِلْ، {وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ} عَلَى الْقِتَالِ أَيْ حُضَّهُمْ عَلَى الْجِهَادِ وَرَغِّبْهُمْ فِي الثَّوَابِ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَبْعِينَ رَاكِبًا فَكَفَاهُمُ اللَّهُ الْقِتَالَ، فَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ {عَسَى اللَّهُ} أَيْ: لَعَلَّ اللَّهَ، {أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا} أَيْ: قِتَالَ الَّذِينَ كَفَّرُوا الْمُشْرِكِينَ و"عَسَى" مِنَ اللَّهِ وَاجِبٌ، {وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا} أَيْ: أَشَدُّ صَوْلَةً وَأَعْظَمُ سُلْطَانًا، {وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا} أَيْ: عُقُوبَةً.

{مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِ شَيْءٍ مُقِيتًا (٨٥) }

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا} أَيْ: نَصِيبٌ مِنْهَا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: الشَّفَاعَةُ الْحَسَنَةُ هِيَ الْإِصْلَاحُ بَيْنَ النَّاسِ، وَالشَّفَاعَةُ السَّيِّئَةُ هِيَ الْمَشْيُ بِالنَّمِيمَةِ بَيْنَ النَّاسِ.

وَقِيلَ: الشَّفَاعَةُ الْحَسَنَةُ هِيَ حُسْنُ الْقَوْلِ فِي النَّاسِ يَنَالُ بِهِ الثَّوَابَ وَالْخَيْرَ، وَالسَّيِّئَةُ هِيَ: الْغَيْبَةُ وَإِسَاءَةُ الْقَوْلِ فِي النَّاسِ يَنَالُ بِهِ الشَّرَّ.

وَقَوْلُهُ {كِفْلٌ مِنْهَا} أَيْ: مِنْ وِزْرِهَا، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هِيَ شَفَاعَةُ النَّاسِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، وَيُؤْجَرُ الشَّفِيعُ عَلَى شَفَاعَتِهِ وَإِنْ لَمْ يُشَفَّعْ.

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمُلَيْحِيُّ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، أَخْبَرَنِي جَدِّي أَبُو بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَاءَهُ رَجُلٌ يَسْأَلُ أَوْ طَالِبُ حَاجَةٍ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: "اشْفَعُوا لتُؤْجَرُوا لِيَقْضِيَ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مَا شَاءَ" (١) .

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: مُقْتَدِرًا مُجَازِيًا، قَالَ الشاعر: وذي ظعنٍ كَفَفْتُ النَّفْسَ ... عَنْهُ وَكُنْتُ عَلَى مَسَاءَتِهِ مُقِيتًا

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: شَاهِدًا: وَقَالَ قَتَادَةُ: حَافِظًا، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ عَلَى كُلِّ حَيَوَانٍ مُقِيتًا (٢) أَيْ: يُوصِلُ الْقُوتَ إِلَيْهِ.


(١) أخرجه البخاري في الأدب، باب تعاون المؤمنين بعضهم بعضا: ١٠ / ٤٥٠، ومسلم في البر والصلة، باب استحباب الشفاعة برقم (٢٦٢٧) : ٤ / ٢٠٢٦ واللام في قوله: "فليقض" ليست للأمر ولا للتعليل، ويحتمل أن تكون للدعاء بمعنى: اللهم اقض. انظر: فتح الباري: ١٠ / ٤٥١.
(٢) في أ: (مقيت) .

<<  <  ج: ص:  >  >>