للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَتَسْتَلِذُّهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرِدَ بِتَحْرِيمِهِ نَصٌّ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سَنَةٍ {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ} يَعْنِي: وَأُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ مَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ.

وَاخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الْجَوَارِحِ، فَقَالَ الضَّحَّاكُ وَالسُّدِّيُّ: هِيَ الْكِلَابُ دُونَ غَيْرِهَا، وَلَا يَحِلُّ مَا صَادَهُ غَيْرُ الْكَلْبِ إِلَّا أَنْ يُدْرِكَ ذَكَاتَهُ، وَهَذَا غَيْرُ مَعْمُولٍ بِهِ، بَلْ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْجَوَارِحِ وَالْكَوَاسِبِ مِنْ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ كَالْفَهْدِ وَالنَّمِرِ وَالْكَلْبِ، وَمِنْ سِبَاعِ الطَّيْرِ كَالْبَازِي وَالْعُقَابِ وَالصَّقْرِ وَنَحْوِهَا مِمَّا يَقْبَلُ التَّعْلِيمَ، فَيَحِلُّ صَيْدُ جَمِيعِهَا، سُمِّيَتْ جَارِحَةً: لِجَرْحِهَا لِأَرْبَابِهَا أَقْوَاتَهُمْ مِنَ الصَّيْدِ، أَيْ: كَسْبِهَا، يُقَالُ: فُلَانٌ جَارِحَةُ أَهْلِهِ، أَيْ: كَاسِبُهُمْ، {مُكَلِّبِينَ} وَالْمُكَلِّبُ الَّذِي يُغْرِي الْكِلَابَ عَلَى الصَّيْدِ، وَيُقَالُ لِلَّذِي يُعَلِّمُهَا أَيْضًا: مُكَلِّبٌ، وَالْكَلَّابُ: صَاحِبُ الْكِلَابِ، وَيُقَالُ لِلصَّائِدِ بِهَا أَيْضًا كَلَّابٌ، وَنَصَبَ مُكَلِّبِينِ عَلَى الْحَالِ، أَيْ: فِي حَالِ تَكْلِيبِكُمْ هَذِهِ الجوارح أي إغرائكم إِيَّاهَا عَلَى الصَّيْدِ، وَذَكَرَ الْكِلَابَ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ وَأَعَمُّ، وَالْمُرَادُ جَمِيعُ جَوَارِحِ الصَّيْدِ، {تُعَلِّمُونَهُنَّ} تُؤَدِّبُونَهُنَّ آدَابَ أَخْذِ الصَّيْدِ، {مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ} أَيْ: مِنَ الْعِلْمِ الَّذِي عَلَّمَكُمُ اللَّهُ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: أَيْ كَمَا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ، "مِنْ" بِمَعْنَى الْكَافِ، {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} أَرَادَ أَنَّ الْجَارِحَةَ الْمُعَلَّمَةَ إِذَا خَرَجَتْ بِإِرْسَالِ صَاحِبِهَا فَأَخَذَتِ الصَّيْدَ وَقَتَلَتْهُ كَانَ حَلَالًا وَالتَّعْلِيمُ هُوَ أَنْ يُوجَدَ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ: إِذَا أُشْلِيَتِ اسْتَشْلَتْ، وَإِذَا زُجِرَتِ انْزَجَرَتْ، وَإِذَا أَخَذَتِ الصَّيْدَ أَمْسَكَتْ وَلَمْ تَأْكُلْ، وَإِذَا وُجِدَ ذَلِكَ مِنْهُ مِرَارًا وَأَقَلُّهُ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ كَانَتْ مُعَلَّمَةً، يَحِلُّ قَتْلُهَا إِذَا خَرَجَتْ بِإِرْسَالِ صَاحِبِهَا.

أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمُلَيْحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّعَيْمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا ثَابِتُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ وَسَمَّيْتَ فَأَمْسَكَ وَقَتَلَ فَكُلْ، وَإِنْ أَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ، وَإِذَا خَالَطَ كِلَابًا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهَا فَأَمْسَكْنَ وَقَتَلْنَ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَيُّهَا قَتَلَ، وَإِذَا رَمَيْتَ الصَّيْدَ فَوَجَدْتَهُ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ لَيْسَ بِهِ إِلَّا أَثَرُ سَهْمِكَ فَكُلْ وَإِنْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ فَلَا تَأْكُلْ" (١)

وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا أَخَذَتِ الصَّيْدَ وَأَكَلَتْ مِنْهُ شَيْئًا: فَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى تَحْرِيمِهِ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَالشَّعْبِيِّ، وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ


(١) أخرجه البخاري في الذبائح والصيد، باب الصيد إذا غاب عنه يومين أو ثلاثة: ٩ / ٦١٠، ومسلم في الصيد والذبائح، باب الصيد بالكلاب المعلمة، برقم (١٩٢٩) : ٣ / ١٥٣١ بلفظ مقارب، والمصنف في شرح السنة: ١١ / ١٩١-١٩٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>