للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَوْلُهُ تَعَالَى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} الْخِطَابُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُرَادُ بِهِ الْجَمِيعُ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَلَمْ تَعْلَمْ أَيُّهَا الْإِنْسَانُ فَيَكُونُ خِطَابًا لِكُلِّ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ، {يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ} قال السدي واالكلبي: يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ: مَنْ مَاتَ عَلَى كُفْرِهِ، وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ: [الْكَبِيرَةَ] (١) مَنْ تَابَ مِنْ كُفْرِهِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ عَلَى الصَّغِيرَةِ، وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ عَلَى الْكَبِيرَةِ، {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}

قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ} أَيْ: فِي مُوَالَاةِ الْكُفَّارِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يُعْجِزُوا اللَّهَ، {مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ} وَهُمُ الْمُنَافِقُونَ، {وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا} يَعْنِي: الْيَهُودَ، {سَمَّاعُونَ} أَيْ: قَوْمٌ سَمَّاعُونَ، {لِلْكَذِبِ} أَيْ: قَائِلُونَ لِلْكَذِبِ، كَقَوْلِ الْمُصَلِّي: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، أَيْ: قَبِلَ اللَّهُ، وَقِيلَ: سَمَّاعُونَ لِأَجْلِ الْكَذِبِ، أَيْ يَسْمَعُونَ مِنْكَ لِيَكْذِبُوا عَلَيْكَ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْمَعُونَ مِنَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَخْرُجُونَ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا مِنْهُ كَذَا وَلَمْ يَسْمَعُوا ذَلِكَ مِنْهُ، {سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ} أَيْ هُمْ جَوَاسِيسُ، يَعْنِي: بَنِي قُرَيْظَةَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ، وَهُمْ أَهْلُ خَيْبَرَ.

وَذَلِكَ أَنَّ رَجُلًا وَامْرَأَةً مِنْ أَشْرَافِ أَهْلِ خَيْبَرَ زَنَيَا وَكَانَا مُحْصَنَيْنِ، وَكَانَ حَدُّهَمَا الرَّجْمَ فِي التَّوْرَاةِ، فَكَرِهَتِ الْيَهُودُ رَجْمَهُمَا لِشَرَفِهِمَا، فَقَالُوا: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي بِيَثْرِبَ لَيْسَ فِي كِتَابِهِ الرَّجْمُ وَلَكِنَّهُ الضَّرْبُ، فَأَرْسِلُوا إِلَى إِخْوَانِكُمْ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ فَإِنَّهُمْ جِيرَانُهُ وَصُلْحٌ لَهُ فَلْيَسْأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ. فَبَعَثُوا رَهْطًا مِنْهُمْ مُسْتَخْفِينَ وَقَالُوا لَهُمْ: سَلُوا مُحَمَّدًا عَنِ الزَّانِيَيْنِ إِذَا أُحْصِنَا مَا حَدُّهُمَا؟ فَإِنْ أَمَرَكُمْ بِالْجَلْدِ فَاقْبَلُوا مِنْهُ، وَإِنْ أَمَرَكُمْ بِالرَّجْمِ فَاحْذَرُوهُ وَلَا تَقْبَلُوا مِنْهُ، وَأَرْسَلُوا مَعَهُمُ الزَّانِيَيْنِ فَقَدِمَ الرَّهْطُ حَتَّى نَزَلُوا عَلَى بَنِي قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ فَقَالُوا لَهُمْ: إِنَّكُمْ جِيرَانُ هَذَا الرَّجُلِ وَمَعَهُ فِي بَلَدِهِ وَقَدْ حَدَثَ، فِينَا حَدَثُ فُلَانٍ وَفُلَانَةَ قَدْ فَجَرَا وَقَدْ أُحْصِنَا، فَنُحِبُّ أَنْ تَسْأَلُوا لَنَا مُحَمَّدًا عَنْ قَضَائِهِ فِيهِ، فَقَالَتْ لَهُمْ قُرَيْظَةُ وَالنَّضِيرُ: إِذًا وَاللَّهِ يَأْمُرُكُمْ بِمَا تَكْرَهُونَ.

ثُمَّ انْطَلَقَ قَوْمٌ، مِنْهُمْ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ وَكَعْبُ بْنُ أَسَدٍ وَسَعْيَةُ بْنُ عَمْرٍو وَمَالِكُ بْنُ الصَّيْفِ وَكِنَانَةُ بْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ وَغَيْرُهُمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنَا عَنِ الزَّانِي وَالزَّانِيَةِ إِذَا أَحْصَنَا مَا حَدُّهُمَا فِي كِتَابِكَ؟

فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ تَرْضَوْنَ بِقَضَائِي؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالرَّجْمِ فَأَخْبَرَهُمْ بِذَلِكَ


(١) ساقط من "ب".

<<  <  ج: ص:  >  >>