للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْبَصْرَةِ بِالْوَاوِ وَنَصْبِ اللَّامِ عَطْفًا عَلَى {أَنْ يَأْتِيَ} أَيْ: وَعَسَى أَنْ يَقُولَ الَّذِينَ آمَنُوا، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِحَذْفِ الْوَاوِ وَرَفْعِ اللَّامِ، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي مَصَاحِفِ أَهْلِ [الْعَالِيَةِ] (١) اسْتِغْنَاءً عَنْ حَرْفِ الْعَطْفِ بِمُلَابَسَةِ هَذِهِ الْآيَةِ بِمَا قَبْلَهَا، يَعْنِي يَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا فِي وَقْتِ إِظْهَارِ اللَّهِ تَعَالَى نِفَاقَ الْمُنَافِقِينَ، {أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ} حَلَفُوا بِاللَّهِ، {جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} أَيْ: حَلَفُوا بِأَغْلَظِ الْأَيْمَانِ، {إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ} أَيْ: إِنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ، يُرِيدُ: أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ حِينَئِذٍ يَتَعَجَّبُونَ مِنْ كَذِبِهِمْ وَحَلِفِهِمْ بِالْبَاطِلِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} بَطَلَ كُلُّ خَيْرٍ عَمِلُوهُ، {فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ} خَسِرُوا الدُّنْيَا بِافْتِضَاحِهِمْ، وَالْآخِرَةَ بِالْعَذَابِ وَفَوَاتِ الثَّوَابِ.

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ "يَرْتَدِدْ" بِدَالَيْنِ عَلَى إِظْهَارِ التَّضْعِيفِ "عَنْ دِينِهِ" فَيَرْجِعُ إِلَى الْكُفْرِ.

قَالَ الْحَسَنُ: عَلِمَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّ قَوْمًا يَرْجِعُونَ عَنِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ مَوْتِ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ سَيَأْتِي بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمُ اللَّهُ وَيُحِبُّونَهُ.

وَاخْتَلَفُوا فِي أُولَئِكَ الْقَوْمِ مَنْ هُمْ؟ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: هُمْ أَبُو بَكْرٍ وَأَصْحَابُهُ الَّذِينَ قَاتَلُوا أهل الردة ومانعي الزَّكَاةِ (٢) وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قُبِضَ ارْتَدَّ عَامَّةُ الْعَرَبِ إِلَّا أَهْلَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَالْبَحْرَيْنِ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ، وَمَنَعَ بَعْضُهُمُ الزَّكَاةَ، وَهُمْ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِقِتَالِهِمْ فَكَرِهَ ذَلِكَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَيْفَ نُقَاتِلُ النَّاسَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَمَنْ قَالَهَا فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلَّا بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ " فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ، وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي [عَنَاقًا] (٣) كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا" (٤) .

قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَرِهَتِ الصَّحَابَةُ قِتَالَ مَانِعِي الزَّكَاةِ وَقَالُوا: أَهْلُ الْقِبْلَةِ، فَتَقَلَّدَ أَبُو بَكْرٍ سَيْفَهُ وَخَرَجَ وَحْدَهُ، فَلَمْ يَجِدُوا بُدًّا مِنَ الْخُرُوجِ عَلَى أَثَرِهِ.


(١) في "ب": (الشام) .
(٢) انظر: تفسير الطبري: ٦ / ٢٨٣ (طبع الحلبي) .
(٣) في "ب": (عقالا) .
(٤) أخرجه البخاري في الزكاة، باب وجوب الزكاة ٣ / ٢٦٢، ومسلم في الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله. برقم (٢٠) : ١ / ٥١-٥٢، والمصنف في شرح السنة: ١ / ٦٦-٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>