للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَنْ أَشْيَاءَ فَلَا تَنْتَهِكُوهَا وَحَدَّ حُدُودًا فَلَا تَعْتَدُوهَا، وَعَفَا عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ غَيْرِ نِسْيَانٍ فَلَا تَبْحَثُوا عَنْهَا (١) .

(مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (١٠٣))

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ} أَيْ: مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا أَمَرَ بِهِ، {وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي بَيَانِ هَذِهِ [الْأَوْضَاعِ] (٢) الْبَحِيرَةُ هِيَ النَّاقَةُ الَّتِي كَانَتْ إِذَا وَلَدَتْ خَمْسَةَ أَبْطُنٍ بَحَرُوا أُذُنَهَا، أَيْ: شَقُّوهَا وَتَرَكُوا الْحَمْلَ عَلَيْهَا وَرُكُوبَهَا، وَلَمْ يَجُزُّوا وَبَرَهَا وَلَمْ يَمْنَعُوهَا الْمَاءَ وَالْكَلَأَ ثم نظروا إلا خَامِسِ وَلَدِهَا فَإِنْ كَانَ ذَكَرًا نَحَرُوهُ وَأَكَلَهُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ، وَإِنْ كَانَ أُنْثَى بَحَرُوا أُذُنَهَا، أَيْ: شَقُّوهَا وَتَرَكُوهَا وَحُرِّمَ عَلَى النِّسَاءِ لَبَنُهَا وَمَنَافِعُهَا، وَكَانَتْ مَنَافِعُهَا خَاصَّةً لِلرِّجَالِ، فَإِذَا مَاتَتْ حَلَّتْ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ.

وَقِيلَ: كَانَتِ النَّاقَةُ إِذَا تَابَعَتِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً إِنَاثًا سُيِّبَتْ فَلَمْ يَرْكَبْ ظَهْرَهَا وَلَمْ يَجُزَّ وَبَرَهَا وَلَمْ يَشْرَبْ لَبَنَهَا إِلَّا ضَيْفٌ، فَمَا نَتَجَتْ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ أُنْثَى شُقَّ أُذُنُهَا ثُمَّ خُلِّيَ سَبِيلُهَا مَعَ أُمِّهَا فِي الْإِبِلِ، فَلَمْ تُرْكَبْ وَلَمْ يَجُزَّ وَبَرُهَا وَلَمْ يَشْرَبْ لَبَنَهَا إِلَّا ضَيْفٌ، كَمَا فُعِلَ بِأُمِّهَا، فَهِيَ الْبَحِيرَةُ بِنْتُ السَّائِبَةِ.

وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: السَّائِبَةُ الْبَعِيرُ الَّذِي يُسَيَّبُ، وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ مِنْ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ إِذَا مَرِضَ وَغَابَ لَهُ قَرِيبٌ نَذَرَ فَقَالَ إِنْ شَفَانِي اللَّهُ تَعَالَى أَوْ شُفِيَ مَرِيضِي أَوْ عَادَ غَائِبِي، فَنَاقَتِي هَذِهِ سَائِبَةٌ، ثُمَّ يُسَيِّبُهَا فَلَا تُحْبَسُ عَنْ رَعْيٍ وَلَا مَاءٍ وَلَا يَرْكَبُهَا أَحَدٌ فَكَانَتْ بِمَنْزِلَةِ الْبَحِيرَةِ.

وَقَالَ عَلْقَمَةُ: هُوَ الْعَبْدُ يُسَيَّبُ عَلَى أَنْ لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ وَلَا عَقْلَ وَلَا مِيرَاثَ. وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ" (٣) .

وَالسَّائِبَةُ فَاعِلَةٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولَةِ، وَهِيَ الْمُسَيَّبَةُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى {مَاءٍ دَافِقٍ} أَيْ: مَدْفُوقٍ وَ {عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ}


(١) أخرجه الدارقطني مرفوعا عن أبي ثعلبة، وفي السنن: كتاب الرضاع: ٤ / ١٨٤، وحسنه النووي في الأربعين، وأخرجه أيضا عن أبي سعيد الخدري: ٤ / ٢٩٨ وفيه قصة في سندها: نهشل الخراساني، قال إسحاق بن راهويه: كان كذابا. وقال أبو حاتم: متروك. قال الحافظ ابن رجب: هذا الحديث من رواية مكحول عن أبي ثعلبة. وله علتان: إحداهما: أن مكحولا لم يصح له سماع من أبي ثعلبة. والثانية: أنه اختلف في رفعه ووقفه على أبي ثعلبة. وقد روي معنى الحديث مرفوعا من وجوه أخر. خرجه البزار في مسنده، والحاكم من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه. وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير عن أبي الدرداء، والبزار، وقال: إسناده حسن ورجاله موثقون. وعزا حديث أبي ثعلبة للطبراني في الكبير، وقال: رجاله رجال الصحيح، انظر: جامع العلوم والحكم ص (٢٦٠-٢٦١) ، مجمع الزوائد: ١ / ١٧١.
(٢) في "ب": (الأوضاح) .
(٣) أخرجه البخاري في الفرائض، باب الولاء لمن أعتق: ١٢ / ٣٩، وفي العتق، ومسلم في العتق، باب إنما الولاء لمن أعتق، برقم (١٥٠٤) : ٢ / ١١٤١، والمصنف في شرح السنة: ٨ / ٣٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>