للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مِنَ الضَّلَالَةِ وَالْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ، {فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ} أَيْ: فَمَنْ عَرَفَهَا وَآمَنَ بِهَا فَلِنَفْسِهِ عَمِلَ، وَنَفْعُهُ لَهُ، {وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا} أَيْ: مَنْ عَمِيَ عَنْهَا فَلَمْ يَعْرِفْهَا وَلَمْ يُصَدِّقْهَا فَعَلَيْهَا، أَيْ: فَبِنَفْسِهِ ضَرَّ، وَوَبَالُ الْعَمَى عَلَيْهِ، {وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ} بِرَقِيبٍ أُحْصِي عَلَيْكُمْ أَعْمَالَكُمْ، إِنَّمَا أَنَا رَسُولٌ إِلَيْكُمْ أُبْلِغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَهُوَ الْحَفِيظُ عَلَيْكُمُ الَّذِي لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَفْعَالِكُمْ.

{وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ} نُفَصِّلُهَا وَنُبَيِّنُهَا فِي كُلِّ وَجْهٍ، {وَلِيَقُولُوا} قِيلَ: مَعْنَاهُ لِئَلَّا يَقُولُوا، {دَرَسْتَ} وَقِيلَ: هَذِهِ اللَّامُ لَامُ الْعَاقِبَةِ أَيْ عَاقِبَةَ أَمْرِهِمْ أَنْ يَقُولُوا: دَرَسْتَ، أَيْ: قَرَأْتَ عَلَى غَيْرِكَ، وَقِيلَ: قَرَأْتَ كُتُبَ أَهْلِ الْكِتَابِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا) ، (الْقَصَصِ، ٨) ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُمْ لَمْ يَلْتَقِطُوهُ لِذَلِكَ، وَلَكِنْ أَرَادَ أَنَّ عَاقِبَةَ أَمْرِهِمْ أَنْ كَانَ عَدُوًّا لَهُمْ.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَلِيَقُولُوا يَعْنِي: أَهْلَ مَكَّةَ حِينَ تَقْرَأُ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ دَرَسْتَ، أَيْ: تَعَلَّمْتَ مِنْ يَسَارٍ وَجَبْرٍ، كَانَا عَبْدَيْنِ مِنْ سَبْيِ الرُّومِ، ثُمَّ قَرَأَتْ عَلَيْنَا تَزْعُمُ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، مِنْ قَوْلِهِمْ: دَرَسْتُ الْكِتَابَ أَدْرُسُ دَرْسًا وَدِرَاسَةٌ.

وَقَالَ الْفَرَّاءُ: يَقُولُونَ تَعَلَّمْتَ مِنَ الْيَهُودِ، وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو: "دَارَسْتَ" بِالْأَلِفِ، [أَيْ: قَارَأْتَ أَهْلَ الْكِتَابِ مِنَ الْمُدَارَسَةِ بَيْنَ اثْنَيْنِ، تَقُولُ:] (١) قَرَأْتَ عَلَيْهِمْ وَقَرَأُوا عَلَيْكَ. وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَيَعْقُوبُ: "دَرَسَتْ" بِفَتْحِ السِّينِ وَسُكُونِ التَّاءِ، أَيْ: هَذِهِ الْأَخْبَارُ الَّتِي تَتْلُوهَا عَلَيْنَا قَدِيمَةٌ، قَدْ دَرَسَتْ وَانْمَحَتْ، مِنْ قَوْلِهِمْ: دَرَسَ الْأَثَرُ يَدْرُسُ دُرُوسًا. {وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ أَوْلِيَاءَهُ الَّذِينَ هَدَاهُمْ إِلَى سَبِيلِ الرَّشَادِ، وَقِيلَ: يَعْنِي أَنَّ تَصْرِيفَ الْآيَاتِ لَيَشْقَى بِهِ قَوْمٌ وَيَسْعَدُ بِهِ قَوْمٌ آخَرُونَ، فَمَنْ قَالَ دَرَسْتَ فَهُوَ شَقِّيٌّ وَمَنْ تَبَيَّنَ لَهُ الْحَقُّ فَهُوَ سَعِيدٌ.

{اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (١٠٦) وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (١٠٧) وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٠٨) }

{اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} يَعْنِي: الْقُرْآنَ اعْمَلْ بِهِ، {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} فَلَا تُجَادِلْهُمْ.


(١) ساقط من "ب".

<<  <  ج: ص:  >  >>