للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[عَذَابُهُ] (١) {عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} إِذَا جَاءَ وَقْتُهُ.

{سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا} لَمَّا لَزِمَتْهُمُ الْحُجَّةُ وَتَيَقَّنُوا بُطْلَانَ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الشِّرْكِ بِاللَّهِ وَتَحْرِيمِ مَا لَمْ يَحُرِّمْهُ اللَّهُ [قَالُوا] (٢) {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا} مِنْ قَبْلُ، {وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ} مَنَ الْبَحَائِرِ وَالسَّوَائِبِ وَغَيْرِهِمَا، أَرَادُوا أَنْ يَجْعَلُوا قَوْلَهُ: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا} حُجَّةً لَهُمْ عَلَى إِقَامَتِهِمْ عَلَى الشِّرْكِ، وَقَالُوا إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَحُولَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ حَتَّى لَا نَفْعَلَهُ، فَلَوْلَا أَنَّهُ رَضِيَ بِمَا نَحْنُ عَلَيْهِ وَأَرَادَهُ مِنَّا وَأَمَرَنَا بِهِ لَحَالَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ ذَلِكَ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى تَكْذِيبًا لَهُمْ: {كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} مِنْ كُفَّارِ الْأُمَمِ الْخَالِيَةِ، {حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا} عَذَابَنَا.

وَيَسْتَدِلُّ أَهْلُ الْقَدَرِ بِهَذِهِ الْآيَةِ، يَقُولُونَ: إِنَّهُمْ لَمَّا قَالُوا: لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا كَذَّبَهُمُ اللَّهُ وَرَدَّ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: "كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ".

قُلْنَا: التَّكْذِيبُ لَيْسَ فِي قَوْلِهِمْ "لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا" بَلْ ذَلِكَ الْقَوْلُ صِدْقٌ وَلَكِنْ فِي قَوْلِهِمْ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَنَا بِهَا وَرَضِيَ بِمَا نَحْنُ عَلَيْهِ، كَمَا أَخْبَرَ عَنْهُمْ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ (الْآيَةَ ٢٨) : (وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا) ، فَالرَّدُّ عَلَيْهِمْ فِي هَذَا كَمَا قَالَ تَعَالَى: (قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ) .

وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ التَّكْذِيبَ وَرَدَ فِيمَا قُلْنَا لَا فِي قَوْلِهِمْ: "لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا"، قَوْلُهُ: {كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} بالتشديد ١٢٦\أوَلَوْ كَانَ ذَلِكَ خَبَرًا مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ كَذِبِهِمْ فِي قَوْلِهِمْ: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا} لَقَالَ كَذَبَ الَّذِينَ [مَنْ قَبْلِهِمْ] (٣) بِالتَّخْفِيفِ فَكَانَ يَنْسِبُهُمْ إِلَى الْكَذِبِ لَا إِلَى التَّكْذِيبِ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ الْفَضْلِ: لَوْ ذَكَرُوا هَذِهِ الْمَقَالَةَ تَعْظِيمًا وَإِجْلَالًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَعْرِفَةً مِنْهُمْ بِهِ لَمَا عَابَهُمْ بِذَلِكَ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا} وَقَالَ: (وما كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ) (الْأَنْعَامِ، ١١١) ، وَالْمُؤْمِنُونَ يَقُولُونَ ذَلِكَ، وَلَكِنَّهُمْ قَالُوهُ تَكْذِيبًا وَتَخَرُّصًا وَجَدَلًا مِنْ غَيْرِ مَعْرِفَةٍ بِاللَّهِ وَبِمَا يَقُولُونَ، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: (وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ) (الزُّخْرُفِ، ٢٠) ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) (الْأَنْعَامِ، ١١٦) .

وَقِيلَ فِي مَعْنَى الْآيَةِ: إِنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ الْحَقَّ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ إِلَّا أَنَّهُمْ كَانُوا يَعُدُّونَهُ عُذْرًا لِأَنْفُسِهِمْ وَيَجْعَلُونَهُ حُجَّةً لِأَنْفُسِهِمْ فِي تَرْكِ الْإِيمَانِ، وَرَدَّ عَلَيْهِمْ فِي هَذَا لِأَنَّ أَمْرَ اللَّهِ بِمَعْزِلٍ عَنْ مَشِيئَتِهِ وَإِرَادَتِهِ، فَإِنَّهُ مُرِيدٌ لِجَمِيعِ الْكَائِنَاتِ غَيْرُ آمِرٍ بِجَمِيعِ مَا يُرِيدُ، وَعَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَتَّبِعَ أَمْرَهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَعَلَّقَ


(١) زيادة من "ب".
(٢) زيادة من "ب".
(٣) ساقط من "ب".

<<  <  ج: ص:  >  >>