للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَلَا يُنَجِّي مِنْ هَذَا الْإِلْزَامِ أَنْ يُقَالَ: ذَلِكَ مِنْ أَكَابِرِ الْأُمَّةِ وَفُضَلَاءِ الصِّدِّيقِينَ, وَهَذَا مِنْ أَطْرَافِ الْأُمَّةِ وعامتها, فَإِنَّ افْتِرَاقَهُمَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ, لَا يَمْنَعُ اشْتِرَاكَهُمَا فِي هَذَا الْحُكْمِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ كَمَا غَفَرَ لِلْمُجْتَهِدِ إذَا أَخْطَأَ, غَفَرَ لِلْجَاهِلِ إذَا أَخْطَأَ وَلَمْ يُمْكِنْهُ التَّعَلُّمُ, بَلْ الْمَفْسَدَةُ الَّتِي تَحْصُلُ بِفِعْلِ وَاحِدٍ مِنْ الْعَامَّةِ مُحَرَّمًا لَمْ يَعْلَمْ تَحْرِيمَهُ وَلَمْ يُمْكِنْهُ مَعْرِفَةُ تَحْرِيمِهِ؛ أَقَلُّ بِكَثِيرِ مِنْ الْمَفْسَدَةِ الَّتِي تَنْشَأُ مِنْ إحْلَالِ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ لِمَا قَدْ حَرَّمَهُ الشَّارِعُ وَهُوَ لَمْ يَعْلَمْ تَحْرِيمَهُ, وَلَمْ يُمْكِنْهُ مَعْرِفَةُ تَحْرِيمِهِ.

وَلِهَذَا قِيلَ: احْذَرُوا زَلَّةَ الْعَالِمِ, فَإِنَّهُ إذَا زَلَّ زَلَّ بِزَلَّتِهِ عَالَمٌ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-:وَيْلٌ لِلْعَالِمِ مِنْ الْأَتْبَاعِ.

فَإِذا كَانَ هَذَا مَعْفُوًّا عَنْهُ -مَعَ عِظَمِ الْمَفْسَدَةِ النَّاشِئَةِ مِنْ فِعْلِهِ- فَلِأَنْ يُعْفَى عَنْ الْآخَرِ -مَعَ خِفَّةِ مَفْسَدَةِ فِعْلِهِ- أَوْلَى. نَعَمْ يَفْتَرِقَانِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ؛ وَهُوَ أَنَّ هَذَا اجْتَهَدَ فَقَالَ بِاجْتِهَادِ, وَلَهُ مِنْ نَشْرِ الْعِلْمِ وَإِحْيَاءِ السُّنَّةِ مَا تَنْغَمِرُ فِيهِ هَذِهِ الْمَفْسَدَةُ, وَقَدْ فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ, فَأَثَابَ الْمُجْتَهِدَ عَلَى اجْتِهَادِهِ, وَأَثَابَ الْعَالِمَ عَلَى عِلْمِهِ ثَوَابًا لَمْ يُشْرِكْهُ فِيهِ ذَلِكَ الْجَاهِلُ, فَهُمَا مُشْتَرِكَانِ فِي الْعَفْوِ, مُفْتَرِقَانِ فِي الثَّوَابِ. وَوُقُوعُ الْعُقُوبَةِ عَلَى غَيْرِ الْمُسْتَحِقِّ مُمْتَنِعٌ, جَلِيلًا كَانَ أَوْ حَقِيرًا.

<<  <   >  >>