للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

غفلة. ومثلها مثل امرأة فاجرة خداعة للرجال حتى إذا رأوها عشقوها ودعتهم إلى بيتها فاغتالتهم وأهلكتهم.

نكتة: رأى عيسى عليه السلام الدنيا في بعض مكاشفاته وهي على صورة عجوز هرمة فقال لها: كم كان لك من زوج؟ فقالت: لا يحصون كثرة، فقال عيسى: ماتوا أم طلقوك؟ فقالت: بل أنا قتلتهم وأفنيتهم، فقال: يا عجباً ومن دواهيك هذا صنعك بأهلك وهم فيك راعبون، وعليك يقتتلون، وبمن مضى لا يعتبرون.

المثال الثالث من ذلك: ومن سحرها أنها تزين ظاهرها بمحاسنه، وتخفي محنتها وقواتلها في باطنها، لتغر الجاهل بما يرى من ظاهرها ومثلها كمثل عجوز قبيحة المنظر تخفي وجهها وتلبس حسن الثياب وتتزين وتتجمل لتفتن الخلق من بعد فإذا كشفوا عنها غطاءها وخمارها، والقوا عنها إزارها ندموا على محبتها لما شاهدوه من فضائح، وعاينوه من قبائحها. وقد جاء في الخبر أن الدنيا يؤتى بها يوم القيامة في صورة عجوز قبيحة مشوهة زرقاء العين وحشة الوجه قد كشّرت عن أنيابها، فإذا رآها الخلائق قالوا نعوذ بالله من هذه القبيحة المشوهة، فيقال لهم هذه الدنيا التي كنتم عليها تتحاسدون ولأجلها كنتم تتحاقدون وتسفكون الدماء بغير حق وتقطعون أرحامكم وتغترون زخرفها، ثم يؤمر بها إلى النار فتقول: إلهي أين أحبابي فيؤمر بهم فيلقون في نار جهنم.

المثال الرابع من ذلك: إن الإنسان يحسب كم كان في الأزل قبل أن يوجد في الدنيا وكم يكون مدة عدمه بالموت وكم قدر هذه المدة التي بين الأبد والأزل وهي مدة حياته في الدنيا، فيعلم أن مثال الدنيا كطريق المسافر أوله المهد، وآخره اللحد، وفيما بينهما منازل معدودة، وأن كل سنة كمنزل وكل شهر لفرسخ، وكل يوم كميل، وكل نفس كخطوة وهو يسير دائماً فيبقى لواحد من طريقه فرسخ ولآخر أكثر وهو قاعد ذاهل، وساكن غافل، كأنه

<<  <   >  >>