للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{٤٧-٥١} {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ * وَالأرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ * وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ * وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} .

يقول تعالى مبينًا لقدرته العظيمة: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا} أي: خلقناها وأتقناها، وجعلناها سقفًا للأرض وما عليها.

{بِأَيْدٍ} أي: بقوة وقدرة عظيمة ⦗٨١٢⦘ {وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} لأرجائها وأنحائها، وإنا لموسعون [أيضا] على عبادنا، بالرزق الذي ما ترك الله دابة في مهامه القفار، ولجج البحار، وأقطار العالم العلوي والسفلي، إلا وأوصل إليها من الرزق، ما يكفيها، وساق إليها من الإحسان ما يغنيها.

فسبحان من عم بجوده جميع المخلوقات، وتبارك الذي وسعت رحمته جميع البريات.

{وَالأرْضَ فَرَشْنَاهَا} أي: جعلناها فراشًا للخلق، يتمكنون فيها من كل ما تتعلق به مصالحهم، من مساكن، وغراس، وزرع، وحرث وجلوس، وسلوك للطرق الموصلة إلى مقاصدهم ومآربهم، ولما كان الفراش، قد يكون صالحًا للانتفاع من كل وجه، وقد يكون من وجه دون وجه، أخبر تعالى أنه مهدها أحسن مهاد، على أكمل الوجوه وأحسنها، وأثنى على نفسه بذلك فقال: {فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ} الذي مهد لعباده ما اقتضته [حكمته] ورحمته وإحسانه.

{وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} [أي: صنفين] ، ذكر وأنثى، من كل نوع من أنواع الحيوانات، {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [لنعم الله التي أنعم بها عليكم] (١) في تقدير ذلك، وحكمته حيث جعل ما هو السبب لبقاء نوع الحيوانات كلها، لتقوموا بتنميتها وخدمتها وتربيتها، فيحصل من ذلك ما يحصل من المنافع.

فلما دعا العباد النظر لآياته الموجبة لخشيته والإنابة إليه، أمر بما هو المقصود من ذلك، وهو الفرار إليه أي: الفرار مما يكرهه الله ظاهرًا وباطنًا، إلى ما يحبه، ظاهرًا وباطنًا، فرار من الجهل إلى العلم، ومن الكفر إلى الإيمان، ومن المعصية إلى الطاعة، ومن الغفلة إلى ذكر الله فمن استكمل هذه الأمور، فقد استكمل الدين كله وقد زال عنه المرهوب، وحصل له، نهاية المراد (٢) والمطلوب.

وسمى الله الرجوع إليه، فرارَا، لأن في الرجوع لغيره، أنواع المخاوف والمكاره، وفي الرجوع إليه، أنواع المحاب والأمن، [والسرور] والسعادة والفوز، فيفر العبد من قضائه وقدره، إلى قضائه وقدره، وكل من خفت منه فررت منه إلى الله تعالى، فإنه بحسب الخوف منه، يكون الفرار إليه، {إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} أي: منذر لكم من عذاب الله، ومخوف بين النذارة.

{وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} هذا من الفرار إلى الله، بل هذا أصل الفرار إليه أن يفر العبد من اتخاذ آلهة غير الله، من الأوثان، والأنداد والقبور، وغيرها، مما عبد من دون الله، ويخلص العبد لربه العبادة والخوف، والرجاء والدعاء، والإنابة.


(١) كذا في ب، وفي أ: نعمة الله عليكم.
(٢) في ب: غاية المراد.

<<  <   >  >>