للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{٤١-٥٥} {وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ * كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ * أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ * أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ * سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ * بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ * إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ * يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ * إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} .

أي: {وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ} أي: فرعون وقومه {النُّذُرُ} فأرسل الله إليهم موسى الكليم، وأيده بالآيات الباهرات، والمعجزات القاهرات (١) وأشهدهم من العبر ما لم يشهد عليه أحدا غيرهم (٢) فكذبوا بآيات الله كلها، فأخذهم أخذ عزيز مقتدر، فأغرقهم في اليم هو وجنوده (٣) والمراد من ذكر هذه القصص تحذير [الناس و] المكذبين لمحمد صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال: {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ} أي: هؤلاء الذين كذبوا أفضل الرسل، خير من أولئك المكذبين، الذين ذكر الله هلاكهم وما جرى عليهم؟ فإن كانوا خيرا منهم، أمكن أن ينجوا من العذاب، ولم يصبهم ما أصاب أولئك الأشرار، وليس الأمر كذلك، فإنهم إن لم يكونوا شرا منهم، فليسوا بخير منهم، {أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ} أي: أم أعطاكم الله عهدا وميثاقا في الكتب التي أنزلها على الأنبياء، فتعتقدون حينئذ أنكم الناجون بإخبار الله ووعده؟ وهذا غير واقع، بل غير ممكن عقلا وشرعا، أن تكتب براءتهم في الكتب الإلهية المتضمنة للعدل والحكمة، فليس من الحكمة نجاة أمثال هؤلاء المعاندين المكذبين، لأفضل الرسل وأكرمهم على الله، فلم يبق إلا أن يكون بهم قوة ينتصرون بها،

فأخبر تعالى أنهم يقولون: {نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ} قال تعالى مبينا لضعفهم، وأنهم مهزومون: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} فوقع كما أخبر، هزم الله جمعهم الأكبر يوم بدر، وقتل من (٤) صناديدهم وكبرائهم ما ذلوا به (٥) ونصر الله دينه ونبيه وحزبه المؤمنين.

ومع ذلك، فلهم موعد يجمع به أولهم وآخرهم، ومن أصيب في الدنيا منهم، ومن متع بلذاته، ولهذا قال: {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ} الذي يحازون به، ويؤخذ منهم الحق بالقسط، {وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} أي: ⦗٨٢٨⦘ أعظم وأشق، وأكبر من كل ما يتوهم، أو يدور بالبال (٦) .

{إِنَّ الْمُجْرِمِينَ} أي: الذين أكثروا من فعل الجرائم، وهي الذنوب العظيمة من الشرك وغيره، من المعاصي {فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ} أي: هم ضالون في الدنيا، ضلال عن العلم، وضلال عن العمل، الذي ينجيهم من العذاب، ويوم القيامة في العذاب الأليم، والنار التي تتسعر بهم، وتشتعل في أجسامهم، حتى تبلغ أفئدتهم.

{يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ} التي هي أشرف ما بهم من الأعضاء، وألمها أشد من ألم غيرها، فيهانون بذلك ويخزون، ويقال لهم:

{ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ} أي: ذوقوا ألم النار وأسفها وغيظها ولهبها.

{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} وهذا شامل للمخلوقات والعوالم العلوية والسفلية، أن الله تعالى وحده خلقها لا خالق لها سواه، ولا مشارك له في خلقها (٧) .

وخلقها بقضاء سبق به علمه، وجرى به قلمه، بوقتها ومقدارها، وجميع ما اشتملت عليه من الأوصاف، وذلك على الله يسير، فلهذا قال:


(١) في ب: بالآيات البينات، والمعجزات الباهرات.
(٢) في ب: ما لم يشهد غيرهم
(٣) في ب: فأغرقه وجنوده في اليم.
(٤) في ب: وقتلت.
(٥) في ب: فأذلوا.
(٦) في ب: في الخيال.
(٧) في ب: خلقه.

<<  <   >  >>