للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{٢٧٢ - ٢٧٤} {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلأنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ * لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} .

يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ليس عليك هدي الخلق، وإنما عليك البلاغ المبين، والهداية بيد الله تعالى، ففيها دلالة على أن النفقة كما تكون على المسلم تكون على الكافر ولو لم يهتد، فلهذا قال: {وما تنفقوا من خير} أي: قليل أو كثير على أي شخص كان من مسلم وكافر {فلأنفسكم} أي: نفعه راجع إليكم {وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله} هذا إخبار عن نفقات المؤمنين الصادرة عن إيمانهم أنها لا تكون إلا لوجه الله تعالى، لأن إيمانهم يمنعهم عن المقاصد الردية ويوجب لهم الإخلاص {وما تنفقوا من خير يوف إليكم} يوم القيامة تستوفون أجوركم {وأنتم لا تظلمون} أي: تنقصون من أعمالكم شيئا ولا مثقال ذرة، كما لا يزاد في سيئاتكم.

ثم ذكر مصرف النفقات الذين هم أولى الناس بها فوصفهم بست صفات أحدها الفقر، والثاني قوله: {أحصروا في سبيل الله} أي: قصروها على طاعة الله من جهاد وغيره، فهم مستعدون لذلك محبوسون له، الثالث عجزهم عن الأسفار لطلب الرزق فقال: {لا يستطيعون ضربا في الأرض} أي: سفرا للتكسب، الرابع قوله: {يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف} وهذا بيان لصدق صبرهم وحسن تعففهم. الخامس: أنه قال: {تعرفهم بسيماهم} أي: بالعلامة التي ذكرها الله في وصفهم، وهذا لا ينافي قوله: {يحسبهم الجاهل أغنياء} فإن الجاهل بحالهم ليس له فطنة يتفرس بها ما هم عليه، وأما الفطن المتفرس فمجرد ما يراهم (١) يعرفهم بعلامتهم، السادس قوله: {لا يسألون الناس إلحافا} أي: لا يسألونهم سؤال إلحاف، أي: إلحاح، بل إن صدر منهم سؤال إذا احتاجوا لذلك لم يلحوا على من سألوا، فهؤلاء أولى الناس وأحقهم بالصدقات لما وصفهم به من جميل الصفات، وأما النفقة من حيث هي على أي شخص كان، فهي خير وإحسان وبر يثاب عليها صاحبها ويؤجر، فلهذا قال: {وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم} .

ثم ذكر حالة المتصدقين في جميع الأوقات على جميع الأحوال فقال: {الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله} أي: طاعته وطريق مرضاته، لا في المحرمات والمكروهات وشهوات أنفسهم {بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم} أي: أجر عظيم من خير عند الرب الرحيم {ولا خوف عليهم} إذا خاف المقصرون {ولا هم يحزنون} إذا حزن المفرطون، ففازوا بحصول المقصود المطلوب، ونجوا من الشرور والمرهوب، ولما كمل تعالى حالة المحسنين إلى عباده بأنواع النفقات ذكر حالة الظالمين المسيئين إليهم غاية الإساءة فقال:


(١) في النسختين: يراه.

<<  <   >  >>