للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ * وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالا لاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ * الَّذِينَ قَالُوا لإخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} .

ثم أخبر أن ما أصابهم يوم التقى الجمعان، جمع المسلمين وجمع المشركين في "أحد" من القتل والهزيمة، أنه بإذنه وقضائه وقدره، لا مرد له ولا بد من وقوعه. والأمر القدري -إذا نفذ، لم يبق إلا التسليم له، وأنه قدره لحكم عظيمة وفوائد جسيمة، وأنه ليتبين بذلك المؤمن من المنافق، الذين لما أمروا بالقتال، {وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله} أي: ذبا عن دين الله، وحماية له وطلبا لمرضاة الله، {أو ادفعوا} عن محارمكم وبلدكم، إن لم يكن لكم نية صالحة، فأبوا ذلك واعتذروا بأن {قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم} أي: لو نعلم أنكم يصير بينكم وبينهم قتال لاتبعناكم، وهم كذبة في هذا. قد علموا وتيقنوا وعلم كل أحد أن هؤلاء المشركين، قد ملئوا من الحنق والغيظ على المؤمنين بما أصابوا منهم، وأنهم قد بذلوا أموالهم، وجمعوا ما يقدرون عليه من الرجال والعدد، وأقبلوا في جيش عظيم قاصدين المؤمنين في بلدهم، متحرقين على قتالهم، فمن كانت هذه حالهم، كيف يتصور أنهم لا يصير بينهم وبين المؤمنين قتال؟ خصوصا وقد خرج المسلمون من المدينة وبرزوا لهم، هذا من المستحيل، ولكن المنافقين ظنوا أن هذا العذر، يروج على المؤمنين، قال تعالى: {هم للكفر يومئذ} أي: في تلك الحال التي تركوا فيها الخروج مع المؤمنين {أقرب منهم للإيمان يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم} وهذه خاصة المنافقين، يظهرون بكلامهم وفعالهم ما يبطنون ضده في قلوبهم وسرائرهم.

ومنه قولهم: {لو نعلم قتالا لاتبعناكم} فإنهم قد علموا وقوع القتال.

ويستدل بهذه الآية على قاعدة "ارتكاب أخف المفسدتين لدفع أعلاهما، وفعل أدنى المصلحتين، للعجز عن أعلاهما"؛ [لأن المنافقين أمروا أن يقاتلوا للدين، فإن لم يفعلوا فللمدافعة عن العيال والأوطان] (١) {والله أعلم بما يكتمون} فيبديه لعباده المؤمنين، ويعاقبهم عليه.

ثم قال تعالى: {الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا} أي: جمعوا بين التخلف عن الجهاد، وبين الاعتراض والتكذيب بقضاء الله وقدره، قال الله ردًّا عليهم: {قل فادرءوا} أي: ادفعوا {عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين} إنهم لو أطاعوكم ما قتلوا، لا تقدرون على ذلك ولا تستطيعونه.

وفي هذه الآيات دليل على أن العبد قد يكون فيه خصلة كفر وخصلة إيمان، وقد يكون إلى أحدهما أقرب منه إلى الأخرى.


(١) زيادة من هامش ب.

<<  <   >  >>