للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{١٠٠ - ١٠٢} {أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ * تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ * وَمَا وَجَدْنَا لأكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ} .

يقول تعالى منبها للأمم الغابرين بعد هلاك الأمم الغابرين (١) {أَوَ لَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ} أي: أو لم يتبين ويتضح للأمم الذين ورثوا الأرض، بعد إهلاك من قبلهم بذنوبهم، ثم عملوا كأعمال أولئك المهلكين؟.

أو لم يهتدوا أن الله، لو شاء لأصابهم بذنوبهم، فإن هذه سنته في الأولين والآخرين.

وقوله: {وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ} أي: إذا نبههم الله فلم ينتبهوا، وذكرهم فلم يتذكروا، وهداهم بالآيات والعبر فلم يهتدوا، فإن الله تعالى يعاقبهم ويطبع على قلوبهم، فيعلوها الران والدنس، حتى يختم عليها، فلا يدخلها حق، ولا يصل إليها خير، ولا يسمعون ما ينفعهم، وإنما يسمعون ما به تقوم الحجة عليهم.

{تِلْكَ الْقُرَى} الذين تقدم ذكرهم {نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا} ما يحصل به عبرة للمعتبرين، وازدجار للظالمين، وموعظة للمتقين.

{وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} أي: ولقد جاءت هؤلاء المكذبين رسلهم تدعوهم إلى ما فيه سعادتهم، وأيدهم الله بالمعجزات الظاهرة، والبينات المبينات للحق بيانا كاملا ولكنهم لم يفدهم هذا، ولا أغنى عنهم شيئا، {فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ} أي: بسبب تكذيبهم وردهم الحق أول مرة، ما كان الله ليهديهم ⦗٢٩٩⦘ للإيمان، جزاء لهم على ردهم الحق، كما قال تعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ} عقوبة منه. وما ظلمهم الله ولكنهم ظلموا أنفسهم.

{وَمَا وَجَدْنَا لأكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ} أي: وما وجدنا لأكثر الأمم الذين أرسل الله إليهم الرسل من عهد، أي: من ثبات والتزام لوصية الله التي أوصى بها جميع العالمين، ولا انقادوا لأوامره التي ساقها إليهم على ألسنة رسله.

{وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ} أي: خارجين عن طاعة الله، متبعين لأهوائهم بغير هدى من الله، فالله تعالى امتحن العباد بإرسال الرسل وإنزال الكتب، وأمرهم باتباع عهده وهداه، فلم يمتثل لأمره إلا القليل من الناس، الذين سبقت لهم من الله سابقة السعادة.

وأما أكثر الخلق فأعرضوا عن الهدى، واستكبروا عما جاءت به الرسل، فأحل الله بهم من عقوباته المتنوعة ما أحل.


(١) في هامش ب في بيان معنى كلمة الغابرين المتكررة ما يلي: الغابرين: الباقين، الغابرين: الماضين.

<<  <   >  >>