للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

عمرو بن عَبَسة، قال: جاءَ رجلٌ إلى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله، ما الإسلامُ؟ قال: "أنْ تُسلِمَ قلبَكَ للهِ، وأنْ يسلمَ المسلمونَ مِنْ لِسانِكَ ويَدكَ"، قال: فأيُّ الإسلام أفضلُ؟ قال: "الإيمان". قال: وما الإيمان؟ قال: "أن تُؤمِن باللهِ، وملائكته، وكُتبهِ، ورُسلِه، والبعثِ بعدَ الموتِ". قال: فأيُّ الإيمانِ أفضلُ؟ قال: "الهِجْرةُ". قال: فما الهجرةُ؟ قال: "أن تَهجُر السُّوءَ"، قال: فأيُّ الهِجرةِ أفضلُ؟ قال: "الجهادُ". فجعل النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الإيمانَ أفضلَ الإسلام، وأدخلَ فيه الأعمالَ.

وبهذا التَّفصيلِ يظهرُ تحقيقُ القولِ في مسألةِ الإسلامِ والإيمانِ: هل هما واحدٌ، أو هما مختلفان؟.

فإنَّ أهلَ السُّنَّةِ والحديثِ مختلفون في ذلك، وصنَّفُوا في ذلك تصانيف متعدِّدةً، فمنهم من يَدَّعي أن جُمهورَ أهلِ السُّنَّةِ على أنَّهما شيءٌ واحدٌ: منهم محمَّدُ بن نصرٍ المروزيُّ، وابنُ عبد البَرِّ، وقد رُويَ هذا القولُ عَنْ سفيانَ الثَّوريِّ مِنْ رواية أيوبَ بن سُويدٍ الرَّمليِّ عنه، وأيُّوب فيه ضعف.

ومنهم من يحكي عن أهل السُّنَّةِ التَّفريقَ بينهما، كأبي بكر بنِ السَّمعانيِّ وغيره، وقد نُقِلَ التفريقُ بينهما عَنْ كثيرٍ من السَّلَفِ، منهم قتادةُ، وداودُ بنُ أبي هند، وأبو جعفر الباقر، والزُّهريُّ، وحمادُ بن زيد، وابن مهديٍّ، وشريكٌ، وابنُ أبي ذئب، وأحمد بن حنبل، وأبو خيثمةَ، ويحيى بنُ معينٍ، وغيرهم، على اختلافٍ بينَهم في صفة التفريق بينَهُما. وكان الحسنُ وابنُ سيرين يقولان: "مسلمٌ" ويهابان "مُؤمنٌ".

وبهذا التَّفصيل الَّذي ذكرناهُ يزولُ الاختلافُ، فيُقالُ: إذا أفردَ كلُّ مِنَ الإسلامِ والإيمانِ بالذِّكرِ، فلا فرقَ بينهما حينئذٍ، وإنْ قُرِنَ بين الاسمينِ، كان بينَهما فرقٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>