للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

كان إيمانُهم ضعيفًا، ويدلُّ عليه قوله تعالى: {وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا} [الحجرات: ١٤]، يعني: لا ينقُصُكم من أجورِها، فدلَّ على أن معهم من الإِيمانِ ما تُقبَلُ به أعمالُهم.

وكذلك قولُ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لسعد بن أبي وقَّاصٍ لمَّا قال له: لم تعطِ فلانًا وهو مؤمن، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أو مسلمٌ" (١) يُشيرُ إلى أنَّه لم يُحقِّق مقامَ الإيمانِ، وإنما


= ووكله إلى ما هو فيه من الإسلام، فدل هذا على أن هؤلاء الأعراب المذكورين في هذه الآية ليسوا بمنافقين، وإنّما هم مسلمون لم يستحكم الإيمانُ في قلوبهم، فادّعوا لأنفسهم مقامًا أعلى مما وصلوا إليه، فأدِّبوا في ذلك، وهذا معنى قول ابن عباس وإبراهيم النخعي، وقتادة، واختاره ابنُ جرير. وإنما قلنا هذا لأن البخاري رحمه الله ذهب إلى أن هؤلاء كانوا منافقين يُظهرون الإيمان وليسوا كذلك. وقد رُوي عن سعيد بن جبير، ومجاهد، وابن زيد أنهم قالوا في قوله: {وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} أي: استسلمنا خوف القتل والسِّباء. قال مجاهد: نَزَلت في بني أسد بن خزيمة. وقال قتادة: نزلت في قوم امتنّوا بإيمانهم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
والصحيح الأول: أنهم قوم ادعوا لأنفسهم مقام الإيمان، ولم يحصل لهم بعدُ، فأُدِّبُوا وأُعلموا أن ذلك لم يصلوا إليه بعدُ، ولو كانوا منافقين لعُنِّفوا وفُضِحوا، كما ذُكر المنافقون في سورة براءة، وإنَّما قيل لهؤلاء تأديبًا: {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ}، أي: لم تصلوا إلى حقيقة الإيمان بعد.
ثمّ قال: {وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ}، أي: لا ينقُصُكم من أجوركم {شَيْئًا}، كقوله: {وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ}، وقوله: {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}، أي: لمن ثاب إليه وأناب.
(١) رواه البخاري (٢٧) و (١٤٧٨)، ومسلم (١٥٠)، وأحمد ١/ ١٦٧ و ١٨٢، وأبو داود (٤٦٨٣)، والنسائي ٨/ ١٠٣ و ١٠٤، وابن حبان (١٦٣)، والحديث بتمامه: قال سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -: قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَسْمًا، فقلت: يا رسولَ الله أعطِ فلانًا، فإنه مؤمن. فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "أوَ مسلم". أقولها ثلاثًا، ويرددها على ثلاثًا: "أو =

<<  <  ج: ص:  >  >>