للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وقال الفضيل: طُوبى لمن استوحش مِنَ النَّاسِ، وكان الله جليسَه (١).

وقال أبو سليمان: لا آنسني الله إلَّا به أبدًا.

وقال معروف لرجلٍ: توكَّل على الله حتَّى يكونَ جليسَك وأنيسَك وموضعَ شكواكَ (٢).

وقال ذو النون: مِنْ علامة المحبِّين لله أن لا يأنَسُوا بسواه، ولا يستوحشُوا معه، ثم قال: إذا سكنَ القلبَ حبُّ اللهِ تعالى، أَنِسَ بالله، لأنَّ الله تعالى أجلُّ في صُدورِ العارفين أنْ يُحبُّوا سواه.

وكلامُ القوم في هذا الباب يطولُ ذكرهُ جدًّا، وفيما ذكرناه كفايةُ إنْ شاء الله تعالى.

فمن تأمَّل ما أشرنا إليه ممَّا دلَّ عليه هذا الحديثُ العظيم، علم أن جميعَ العُلوم والمعارف ترجعُ إلى هذا الحديث وتدخل تحته، وأنَّ جميع العلماء من فِرَقِ هذه الأمَّة لا تخرجُ علومهم التي يتكلَّمون فيها عن هذا الحديث، وما دلَّ عليه مجمَلًا ومفصَّلًا، فإنَّ الفُقهاءَ إنَّما يتكلَّمونَ في العبادات التي هي من جملة خصال الإِسلام، ويضيفون إلى ذلك الكلامَ في أحكام الأموالِ والأبضاعِ والدِّماءِ، وكلُّ ذلك من علمِ الإسلام كما سبق التنبيه عليه، ويبقى كثيرٌ من علم الإسلامِ مِنَ الآداب والأخلاقِ وغيرَ ذلك لا يَتكلَّمُ عليه إلَّا القليلُ منهم، ولا يتكلَّمون على معنىَ الشَّهادتين، وهما أصلُ الإسلام كلِّه.

والَّذين يتكلمون في أصول الدِّيانات، يتكلَّمون على الشَّهادتين، وعلى الإيمان باللهِ، وملائكته، وكتبه، ورسُله، واليومِ الآخر، والإِيمان بالقدر.


(١) "الحلية" ٨/ ١٠٨.
(٢) "الحلية" ٨/ ٣٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>