للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وأما ما ذكره الحربي في التبديل، وأن من قلَّت سيئاتُه يُزاد في حسناته، ومن كثرت سيئاتُه يُقَلَّلُ من حسناته، فحديثُ أبي ذرٍّ صريحٌ في ردِّ هذا، وأنَّه يُعطى مكان كلّ سيئة حسنة.

وأما قوله: يَلْزَمُ من ذلك أنَّ يكون مَنْ كَثُرَت سيئاتُه أحسنَ حالًا ممن قلَّتْ سيئاتُهُ، فيقال: إنما التبديلُ في حقِّ مَنْ نَدِمَ على سيئاته، وجعلها نصبَ عينيه، فكلما ذكرها ازداد خوفًا، ووجلًا، وحياء من الله، ومسارعة إلى الأعمال الصالحة المكفرة كما قال تعالى: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا} [الفرقان: ٧٠] وما ذكرناه كله داخل في العمل الصالح ومن كانت هذه حاله، فإنَّه يتجرَّعُ من مرارة الندم والأسف على ذنوبه أضعافَ ما ذاق من حلاوتها عندَ فعلها، ويصيرُ كلُّ ذنبٍ من ذنوبه سببًا لأعمال صالحةٍ ماحية له، فلا يُستنكر بعد هذا تبديل هذه الذنوب حسنات.

وقد ورَدَت أحاديثُ صريحةٌ في أنَّ الكافرَ إذا أسلم، وحَسُنَ إسلامُه، تبدَّلت سيئاتُه في الشِّرْك حسنات، فخرَّج الطبراني (١) من حديث عبد الرحمن بن


(١) في "الكبير" (٧٢٣٥) قال الهيثمي في "المجمع" ١/ ٣٢ و ١٠/ ٢٠٢، وعندهما: "عن أبي طويل" بدله عن أبي فروة.
ورواه الطبراني والبزار (٣٢٤٤) بنحوه، ورجال البزار رجال الصحيح غير محمد بن هارون أبي نشيط، وهو ثقة.
وأورده الحافظ في "الإِصابة" ٢/ ١٤٩ وزاد نسبته إلى البغوي، وابن زبر، وابن السكن، وابن أبي عاصم، وقال: هو على شرط الصحيح، وقد وجدت له طريقًا أخرى، قال ابن أبي الدنيا في كتاب "حسن الظن" (١٤٦): حدثنا عبيد الله بن جرير، حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثنا نوح بن قيس، عن أشعث بن جابر الحداني، عن مكحول، عن عمرو بن عبسة قال: "إن شيخًا كبيرًا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يدعم على عصا، فقال: يا نبيّ الله إن لي غَدراتٍ وفجراتٍ فهل تُغفر لي؟ فقال النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله؟ " قال: بلى يا رسول الله، قال: "فإن الله قد غفر لك غدراتك=

<<  <  ج: ص:  >  >>