للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

كان هذا على وجه ضرب المثالِ في الإسراع في الفتن، إلا أن المعنى: أن من كان أقرب إلى الإسراع فيها، فهو شر ممن كان أبعد عن ذلك.

وخرَّج الإمامُ أحمد من حديث ابنِ عباس عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا غَضِبَ أحَدُكُمْ، فليَسْكُتْ"، قالها ثلاثًا (١).

وهذا أيضًا دواء عظيم للغضب؛ لأن الغضبان يصدر منه في حال غضبه من القول ما يندم عليه في حال زوال غضبه كثيرًا من السِّباب وغيره مما يعظم ضَرَرُهُ، فإذا سكت زال هذا الشرّ كله عنه، وما أحسنَ قولَ مورق العجلي رحمه الله: ما امتلأتُ غيظًا قَطُّ ولا تكلَّمتُ في غضبٍ قطُّ بما أندمُ عليه إذا رضيتُ. وغضب يومًا عمرُ بنُ عبد العزيز فقال له ابنُه عبدُ الملكِ رحمهما اللُه: أنتَ يا أميرَ المؤمنين مع ما أعطاك الله وفضَّلك به تغضبُ هذا الغَضبَ؟ فقال له: أوما تغضبُ يا عبدَ الملك؟ فقال عبد الملك: وما يُغني عني سعةُ جوفي إذا لم أرَدِّدْ فيه الغضبَ حتى لا يظهر؟ فهؤلاء قوم ملكوا أنفسهم عند الغضب - رضي اللُه عنهم -.

وخرَّج الإمامُ أحمد، وأبو داود من حديث عُروة بنِ محمد السَّعدي أنَّه كلَّمه رجل فأغضبه، فقام فتوضأ، ثم قال: حدثني أبي عن جدِّي عطيةَ، قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ الغَضَبَ مِنَ الشَّيطانِ، وإن الشيطانَ خُلِقَ من النَّارِ، وإنما تُطفَأ النار بالماءِ، فإذا غَضِبَ أحَدُكُم، فَليَتوضَّأ" (٢).


= أبي وقاص عند أحمد ١/ ١٦٨ - ١٦٩ والترمذي (٢١٩٤) وأبي داود (٤٢٥٧)، وعن ابن مسعود عند أحمد ١/ ٤٤٨ - ٤٤٩.
(١) ١/ ٢٣٩ و ٢٨٢، ورواه البزار في "مسنده" ١/ ٩٠، وفي سنده ليث بن أبي سليم وهو ضعيف، كما قال الهيثمي في "المجمع" ١/ ١٣١.
(٢) رواه أحمد ٤/ ٢٢٦، وأبو داود (٤٧٨٤) والبخاري في "تاريخه" ٨/ ٧ والبغوي في "شرح السنة" (٣٥٨٣) وسنده حسن، وأخطأ مَنْ ضعَّفه ممن ينتحل صناعة الحديث في زماننا.

<<  <  ج: ص:  >  >>