للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

أن يكونَ بلاغُهم من الدُّنيا كزادِ الرَّاكب (١).

قيل لمحمد بن واسع: كيف أصبحتَ؟ قال: ما ظَنُّكَ برجل يرتَحِلُ كلَّ يومٍ مرحلةً إلى الآخرة (٢)؟

وقال الحسن: إنَّما أنت أيامٌ مجموعة، كلَّما مضى يومٌ مضى بعضُك. وقال: ابنَ آدم إنَّما أنت بين مطيتين يُوضعانِكَ، يُوضِعُك النهار إلى الليل، والليل إلى النهار، حتى يُسلِمَانِك إلى الآخرة، فمن أعظم منك يا ابنَ آدم خطرًا (٣)، وقال: الموتُ معقود في نواصيكم والدنيا تُطوى مِن ورائكم.

قال داود الطائي: إنَّما الليلُ والنهارُ مراحلُ يَنزِلُها الناسُ مرحلةً مرحلةً حتَّى ينتهي ذلك بهم إلى آخر سفرهم، فإنِ استطعت أن تُقدِّم في كلِّ مرحلة زادًا لِما بَينَ يديها، فافعل، فإنَّ انقطاع السفر عن قريبٍ ما هو، والأمر أعجلُ من ذلك، فتزوَّد لسفرك، واقض ما أنتَ قاضٍ من أمرك، فكأنَّك بالأمر قد بَغَتك (٤).

وكتب بعضُ السلف إلى أخٍ له: يا أخي يُخيَّلُ لك أنَّك مقيم، بل أنتَ دائبُ السَّيرِ، تُساق مع ذلك سوقًا حثيثًا، الموت موجَّهٌ إليك، والدنيا تُطوى من ورائك، وما مضى من عمرك، فليس بكارٍّ عليك حتى يَكرَّ عليك يومُ التغابن.

سبيلُكَ في الدُّنيا سبيلُ مُسافرٍ … ولا بُدَّ من زادٍ لكلِّ مسافِر

ولا بُدَّ للإِنسان من حَملِ عُدَّةٍ … ولا سيما إن خافَ صولَة قاهِر

قال بعضُ الحكماء: كيف يفرحُ بالدنيا من يومُه يَهدِمُ شهرَه، وشهرُه يهدِمُ


(١) تقدم ص ٦٦٣.
(٢) "الحلية" ٢/ ٣٤٨.
(٣) "الحلية" ٢/ ١٥٢.
(٤) "الحلية" ٧/ ٣٤٥ - ٣٤٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>