للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقال آخر (١):

يا ربِّ إن عَظُمَت ذُنوبي كَثرةً … فلقَد علِمتُ بأنَّ عَفوكَ أعظَمُ

إن كان لا يرجوك إلا مُحسنٌ … فمَن الذي يَرجو ويدعُو المُجرِمُ

ما لي إليك وسيلةٌ إلَّا الرجا … وجَميلُ عفوك ثم أنِّي مُسلِمُ

السبب الثاني للمغفرة: الاستغفار، ولو عظُمت الذُّنوب، وبلغت الكثرة عَنان السماء، وهو السحاب. وقيل: ما انتهى إليه البصر منها، وفي الرواية الأخرى: "لو أخطأتُم حتَّى بلغت خطاياكم ما بين السماء والأرض، ثم استغفرتم الله لغَفر لكم"، والاستغفارُ: طلبُ المغفرة، والمغفرة: هي وقاية شرِّ الذُّنوب مع سترها.

وقد كثر في القرآن ذكرُ الاستغفار، فتارةً يؤمر به، كقوله تعالى: {وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: ١٩٩]، وقوله: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} [هود: ٣].

وتارةً يمدحُ أهلَه، كقوله: {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ} [آل عمران: ١٧]، وقوله: {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات: ١٨]، وقوله: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ} [آل عمران: ١٣٥].

وتارةً يذكر أن الله يغفر لمن استغفره، كقوله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: ١١٠].

وكثيرًا ما يُقرن الاستغفارُ بذكر التوبة، فيكون الاستغفارُ حينئذٍ عبارةً عن طلب المغفرة باللسان، والتوبة عبارة عن الإِقلاع عن الذُّنوب بالقلوب والجوارح.


(١) هو أبو نواس أيضًا، والأبيات في "ديوانه" ص ٦١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>