للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الوقفة الثَّالِثَة: التربية بالقدوة

الْقدْوَة مَعْنَاهَا من الِاقْتِدَاء وَهُوَ أَن يفعل الْمَرْء مثل فعل غَيره تشبهاً بِهِ (١) وَلَقَد كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خير قدوة لأَصْحَابه، وَكَذَا حَال الْأَنْبِيَاء جعلهم الله مِثَالا وأسوة لأممهم فَمَا كَانُوا ليأمروا بِمَا يخالفونه أوَ يَقُولُوا مَالا يَفْعَلُونَهُ. يَقُول تَعَالَى عَن شُعَيْب عَلَيْهِ السَّلَام {وَمَا أُرِيد أَن أخالفكم إِلَى مَا أنهاكم عَنهُ إِن أُرِيد إِلَّا الْإِصْلَاح مَا اسْتَطَعْت وَمَا توفيقي إِلَّا بِاللَّه عَلَيْهِ توكلت وَإِلَيْهِ أنيب} (٢) وَقد جعل الله من الْمُصْطَفى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أُسْوَة يحتذى وقدوة يُتَّبع لنيل ثَوَاب الْآخِرَة فقد تمثلت فِيهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة والآداب المرعية، فَمَا من خير إِلَّا سبق إِلَيْهِ وَلَا خصْلَة حميدة إِلَّا نَالَ أوفر الْحَظ مِنْهَا. وَلِهَذَا أُمرنا بالتأسي بِهِ {لقد كَانَ لكم فِي رَسُول الله أُسْوَة حَسَنَة لمن كَانَ يَرْجُو الله وَالْيَوْم الآخر} (٣) والقدوة لَهَا أعظم الْأَثر فِي النُّفُوس، وتأثيرها أعظم من تَأْثِير الْخطب والمقالات والكتابات وَهَذَا مِمَّا يُثبتهُ الْوَاقِع وتدركه الْعُقُول. وَلِهَذَا كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتَمَثَّل حَقِيقَة الْإِسْلَام بَين أَصْحَابه فِي قدوة حَسَنَة يقرن الْفِكر بِالْعَمَلِ، ويربط النظرية بالتطبيق وَيقدم الْمعَانِي حقائق حَيَّة فيُهتدى بِعَمَلِهِ قبل قَوْله وبفعله قبل علمه وَيكون أَمَام أَصْحَابه تجسيداً حَيا لدعوته ومثلاً صَرِيحًا على مبادئه. وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْمر الصَّحَابَة بالاقتداء بِهِ فَيَقُول: ((وصلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي)) (٤) وَيَقُول: ((لِتَأْخُذُوا عني


(١) انْظُر المعجم الْوَسِيط (٢/٧٢٠)
(٢) سُورَة هود: الْآيَة / ٨٨.
(٣) سُورَة الْأَحْزَاب: الْآيَة / ٢١.
(٤) أخرجه البُخَارِيّ فِي أثْنَاء حَدِيث ك: الآذان ب: الآذان للمسافرين إِذا كَانُوا جمَاعَة من حَدِيث مَالك بن الْحُوَيْرِث رَضِي الله عَنهُ. انْظُر: البُخَارِيّ بشرح الْفَتْح (٢/١١١) .

<<  <   >  >>