للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أضف إِلَى ذَلِك مَجْمُوعه من الْكتب النادرة الَّتِي وَجدتهَا فِي مكتبته الْكَبِيرَة الَّتِي كَانَت تعلوها طبقَة سميكة من الْغُبَار لِأَنَّهَا لم تمسسها يَد مُنْذُ سِنِين، لقد تعرفت على محب الدّين رَحمَه الله فِي الْوَقْت الَّذِي تنكر لَهُ فِيهِ الْمُجْتَمع الَّذِي كَانَ يعِيش فِيهِ وَقد لَا أكون مبالغاً إِذا قلت بِأَنِّي كنت الوحيد الَّذِي كَانَ يَقْصِدهُ فِي أَيَّامه الْأَخِيرَة وَلَكِنِّي فِي كل مرّة كنت أحرص على أَن أصحب معي مَجْمُوعه جَدِيدَة من الشَّبَاب الْمُسلم الَّذين كنت أحرص على أَن يتعرفوا بِهِ ويأخذوا عَنهُ، لقد كَانَ يعِيش أَيَّامه الْأَخِيرَة رَحمَه الله فِي غربَة قاتلة وَلم يكن يتَّصل بالمجتمع الَّذِي يعِيش فِيهِ إِلَّا عَن طَرِيق بعض الصُّحُف الَّتِي كَانَ مُشْتَركا فِيهَا. وَحَتَّى أَصْحَاب المكتبات لم يَكُونُوا على صلَة بِهِ وبمطبوعاته الْقيمَة الَّتِي كَانَ يصدرها, وأذكر أَنِّي قد أحضرت كثيرا من مطبوعاته لبَعض الْمَشَايِخ والطلاب وَأَصْحَاب المكتبات الَّتِي كَانُوا يطلبونها مني لصلتي بِهِ.

وَفِي الأسطر التالية سأذكر لمحة عَن حَيَاته وصوراً من الخواطر والذكريات عَنهُ وَفَاء بِحَق ذَلِك الرجل الَّذِي كَانَ لدينِهِ ووطنه وَأمته.

لمحة عابرة عَن حَيَاته: ولد رَحمَه الله عَام ١٣٠٥ فِي دمشق الشَّام من أسرة عريقة أصيلة النّسَب هاشمية تعود أُصُولهَا إِلَى عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ. وَكَانَ أَبوهُ وجده عَالمين جليلين وعنهما أَخذ معلوماته الأولى، وَبَدَأَ تَعْلِيمه الأولى فِي دمشق وأتمه فِي بيروت، وَأما شَيْخه الَّذِي كَانَ يجله كثيرا أَو يذكرهُ بِخَير دَائِما فَهُوَ المرحوم الشَّيْخ طَاهِر الجزائري وَكَانَ يَقُول رَحمَه الله: "مِنْهُ تعلمت عروبتي وَإِسْلَامِيٌّ"، وَقد مدحه بقصيدة جميلَة فِي شبابه لَا يَتَّسِع المجال لذكرها، ثمَّ سَافر رَحمَه الله إِلَى استانبول والتحق هُنَاكَ بكليتي الْحُقُوق والآداب وَفِي تِلْكَ الْأَثْنَاء التقى بمجموعة من المثقفين الْعَرَب الَّذين كَانُوا يدرسون فِي استانبول وَرَأى مِنْهُم انهيارا فِي شخصيتهم وذوباناً فِي غَيرهم وتزلفاً إِلَى غير الْعَرَبيَّة وَالْعرب, فَأَسَّسَ جمعية النهضة الْعَرَبيَّة، لتذكر الْعَرَب بأصالتهم وبدورهم القيادي فِي حَيَاة البشرية.

وَبعد إتْمَام دراسته هُنَاكَ عَاد إِلَى دمشق وَلَكِن لم يطْلب لَهُ الْمقَام فِيهَا من جراء مضايقات بعض الْجِهَات المسؤولة فسافر إِلَى بيروت وَمِنْهَا إِلَى استانبول ثمَّ قصد أخيراً إِلَى الْقَاهِرَة، وحينما تأزمت الأوضاع فِي الجزيرة الْعَرَبيَّة وَفِي بِلَاد الشَّام وَقَامَت الثورة الْعَرَبيَّة الْكُبْرَى الْتحق بهَا محب الدّين وأشرف على تَحْرِير جَرِيدَة الْقبْلَة الَّتِي كَانَ يصدرها الشريف حُسَيْن، وَلَكِن سرعَان مَا تبيّن حَقِيقَة الشريف حُسَيْن وَأَنه

<<  <   >  >>