للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (٢٠) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا (٢١) }

يقول تعالى ذكره: قالت مريم لجبريل (أنَّى يَكُونُ لي غُلامٌ) من أيّ وجه يكون لي غلام؟ أمن قِبَل زوج أتزوّج، فأرزقه منه، أم يبتدئ الله فيّ خلقه ابتداء (وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ) من ولد آدم بنكاح حلال (ولَمْ أَكُ) إذ لم يمسسني منهم أحد على وجه الحلال (بَغِيًّا) بغيت ففعلت ذلك من الوجه الحرام، فحملته من زنا.

كما حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السديّ (وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا) يقول: زانية (قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ) يقول تعالى ذكره: قال لها جبريل: هكذا الأمر كما تصفين، من أنك لم يمسسك بشر ولم تكوني بغيا، ولكن ربك قال: هو عليّ هين: أي خلق الغلام الذي قلت أن أهبه لك عليّ هين لا يتعذّر عليّ خلقه وهبته لك من غير فحل يفتحلك.

(وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ) يقول: وكي نجعل الغلام الذي نهبه لك علامة وحجة على خلقي أهبه لك. (وَرَحْمَةً مِنَّا) يقول: ورحمة منا لك، ولمن آمن به وصدقه أخلقه منك (وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا) يقول: وكان خلقه منك أمرا قد قضاه الله، ومضى في حكمه وسابق علمه أنه كائن منك. كما حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: ثني من لا أتهم، عن وهب بن منبه (وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا) أي أن الله قد عزم على ذلك، فليس منه بدّ.

القول في تأويل قوله تعالى: {فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (٢٢) فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (٢٣) }

<<  <  ج: ص:  >  >>