للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مكذبهم هو والسموات والأرض وما فيها، إما باللسان، وإما بالدلالة. وذلك أن الله جل ثناؤه أخبر عن جميعهم، بطاعتهم إياه، وإقرارهم له بالعبودية، عقيب قوله: (وقالوا اتخذ الله ولدا) ، فدل ذلك على صحة ما قلنا.

* * *

القول في تأويل قوله تعالى: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}

قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: (بديع السموات والأرض) ، مبدعها.

* * *

وإنما هو"مُفْعِل" صرف إلى"فعيل" كما صرف"المؤلم" إلى"أليم"، و"المسمع" إلى"سميع". (١) ومعنى"المبدع": المنشئ والمحدث ما لم يسبقه إلى إنشاء مثله وإحداثه أحد. ولذلك سمي المبتدع في الدين"مبتدعا"، لإحداثه فيه ما لم يسبقه إليه غيره. وكذلك كل محدث فعلا أو قولا لم يتقدمه فيه متقدم، فإن العرب تسميه مبتدعا. ومن ذلك قول أعشى بني ثعلبة، (٢) في مدح هَوْذَة بن علي الحنفي:

يُرعي إلى قول سادات الرجال إذا ... أبدوا له الحزم، أو ما شاءه ابتدعا (٣)

أي يحدث ما شاء، ومنه قول رؤبة بن العجاج:

فأيها الغاشي القِذَافَ الأتْيَعَا ... إن كنت لله التقي الأطوعا

فليس وجه الحق أن تَبَدَّعا (٤)

يعني: أن تحدث في الدين ما لم يكن فيه.

* * *


(١) انظر ما سلف ١: ٢٥١، وهذا الجزء ٢: ١٤٠، ٣٧٧، ٥٠٦.
(٢) في المطبوعة: "الأعشى بن ثعلبة"، وهو خطأ محض.
(٣) سلف تخريجه في هذا الجزء: ٢: ٤٦٤.
(٤) ديوانه: ٨٧، واللسان (بدع) من رجز طويل يفخر فيه برهطه بني تميم. ورواية الديوان"القذاف الأتبعا"، وليس لها معنى يدرك، ورواية الطبري لها مخرج في العربية. "الغاشي" من قولهم: غشي الشيء: أي قصده وباشره أو نزل به. والقذاف: سرعة السير والإبعاد فيه، أو كأنه أراد الناحية البعيدة، وإن لم أجده في كتب العربية. والأتيع: لم أجده في شيء، ولعله أخذه من قولهم: تتايع القوم في الأرض: إذا تباعدوا فيها على عمى وشدة. يقول: يا أيها الذاهب في المسالك البعيدة عن سنن الطريق- يعني به: من ابتدع من الأمور ما لا عهد للناس به، فسلك في ابتداعه المسالك الغريبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>