للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تعالى ذكره أنه نزل هذا القرآن بلسان عربي مبين في هذا الموضع، إعلاما منه مشركي قريش أنه أنزله كذلك، لئلا يقولوا إنه نزل بغير لساننا، فنحن إنما نعرض عنه ولا نسمعه، لأنا لا نفهمه، وإنما هذا تقريع لهم، وذلك أنه تعالى ذكره قال: (وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ) . ثم قال: لم يعرضوا عنه لأنهم لا يفهمون معانيه، بل يفهمونها، لأنه تنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين بلسانهم العربيّ، ولكنهم أعرضوا عنه تكذيبا به واستكبارا (فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) . كما أتى هذه الأمم التي قصصنا نبأها في هذه السورة حين كذّبت رسلها أنباء ما كانوا به يكذّبون.

القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأوَّلِينَ (١٩٦) أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (١٩٧) وَلَوْ نزلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الأعْجَمِينَ (١٩٨) فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ (١٩٩) كَذَلِكَ سَلَكْنَاهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (٢٠٠) لا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوْا الْعَذَابَ الألِيمَ (٢٠١) }

يقول تعالى ذكره: وإن هذا القرآن لفي زبر الأوّلين: يعني في كتب الأوّلين، وخرج مخرج العموم ومعناه الخصوص، وإنما هو: وإن هذا القرآن لفي بعض زبر الأوّلين; يعني: أن ذكره وخبره في بعض ما نزل من الكتب على بعض رسله. وقوله: (أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ) يقول تعالى ذكره: أولم يكن لهؤلاء المعرضين عما يأتيك يا محمد من ذكر ربك، دلالةٌ على أنك رسول رب العالمين، أن يعلم حقيقة ذلك وصحته علماء بني إسرائيل. وقيل: عني بعلماء بني إسرائيل في هذا الموضع: عبد الله بن سلام ومن أشبهه ممن كان قد آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم من بني إسرائيل في عصره.

* ذكر من قال ذلك:

حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: (أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ) قال: كان عبد الله بن سلام من علماء بنى إسرائيل، وكان من خيارهم، فآمن بكتاب محمد صلى الله عليه وسلم، فقال لهم الله: أولم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني

<<  <  ج: ص:  >  >>