للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

القول في تأويل قوله تعالى: {وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (٨٢) }

يقول تعالى ذكره: وأصبح الذين تمنَّوا مكانه بالأمس من الدنيا، وغناه وكثرة ماله، وما بسط له منها بالأمس، يعني قبل أن ينزل به ما نزل من سخط الله وعقابه، يقولون: ويكأنّ الله

اختلف في معنى (وَيْكَأَنَّ اللَّهَ) فأما قَتادة، فإنه رُوي عنه في ذلك قولان: أحدهما ما:

حدثنا به ابن بشار، قال: ثنا محمد بن خالد بن عثمة، قال: ثنا سعيد بن بشير، عن قَتادة، قال في قوله: (وَيْكَأَنَّهُ) قال: ألم تر أنه.

حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة (وَيْكَأَنَّهُ) أولا ترى أنه.

وحدثني إسماعيل بن المتوكل الأشجعي، قال: ثنا محمد بن كثير، قال: ثني معمر، عن قَتادة (وَيْكَأَنَّهُ) قال: ألم تر أنه.

والقول الآخر: ما حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثنا أبو سفيان، عن معمر، عن قَتادة، في قوله: (وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ) قال: أو لم يعلم أن الله (وَيْكَأَنَّهُ) أو لا يعلم أنه.

وتأول هذا التأويل الذي ذكرناه عن قَتادة في ذلك أيضا بعض أهل المعرفة بكلام العرب من أهل البصرة، واستشهد لصحة تأويله ذلك كذلك، بقول الشاعر:

سألَتانِي الطَّلاقَ أنْ رأتانِي ... قَلَّ مالي، قَدْ جِئْتُما بِنُكْرِ ... وَيْكأن مَنْ يَكُنْ لَهُ نشب يُحْ ... بَبْ وَمن يَفْتَقِرْ يعِش عَيْشَ ضَرّ (١)


(١) البيتان لزيد بن عمرو بن نفيل (خزانة الأدب الكبرى للبغدادي ٣: ٩٥-٩٧) وقبلهما بيت ثالث وهو: تَلْكَ عرْسَايَ تَنْطِقَانِ عَلَى عَمْـ ... ـدٍ إلى الْيَوْمِ قَوْل زُورٍ وَهِتْر
الشاعر ينكر حال زوجيه معه بعد أن كبر وافتقر. وفي البيت الثاني: "أن رأتا مالي قليلا ... " إلخ والعرس: الزوجة. والهتر بفتح الهاء: مصدر هتر يهتره هترا من باب نصر: إذا مزق عرضه. وبكسر الهاء: الكذب، والداهية، والأمر العجب. والسقط من الكلام، والخطأ فيه. وبالضم: ذهاب العقل من كبر، أو مرض، أو حزن. والنكر: الأمر القبيح المنكر. والنشب: المال الأصيل، من الناطق والصامت. والشاهد في قوله: "ويكأنه" فقد اختلف فيها البصريون والكوفيون أهي كلمة واحدة أم كلمتان؟ فقال سيبويه: سألت الخليل عن قوله تعالى: (ويكأنه لا يفلح الكافرون) وعن قوله: (ويكأن الله) فزعم أنها: "وي" مفصولة من "كأن". والمعنى على أن القوم انتبهوا، فتكلموا على قدر علمهم، أو نبهوا، فقيل لهم: أما يشبه أن هذا عندكم هكذا؟ وقال الفراء في معاني القرآن (مصورة الجامعة الورقة ٢٤٣) : "ويكأن ... " في كلام العرب تقرير كقول الرجل: أما ترى إلى صنع الله؟ وأنشدني: "ويكأن من يكن ... " البيت. وأخبرني شيخ من أهل البصرة قال: سمعت أعرابية تقول لزوجها: أين ابنك، ويلك؟ فقال: "ويكأنه وراء البيت، معناه أما ترينه وراء البيت ... إلى آخر ما نقله عنه المؤلف. قلت: والذي قاله الخليل وسيبويه من حيث اللفظ أقرب إلى الصواب، لأن الكلمة مركبة من ثلاثة أشياء: وي، والكاف وأن. والذي قال الفراء من جهة المعنى حسن واضح.

<<  <  ج: ص:  >  >>