للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الأعشى في مثل ذلك:

بَانَتْ، وقد أَسْأَرْت في النَّفس حَاجتَهَا، ... بعدَ ائتِلاف; وخيرُ الوُدِّ ما نَفَعَا (١)

وأما الآية من آي القرآن، فإنها تحتمل وجهين في كلام العرب:

أحدهُما: أن تكون سمِّيت آية، لأنها علامةٌ يُعرف بها تمام ما قبلها وابتداؤها، كالآية التي تكون دلالةً على الشيء يُستدلْ بها عليه، كقول الشاعر:

ألِكْنى إليها، عَمْرَك اللهُ يا فَتى، ... بآيةِ ما جَاءتْ إلينا تَهَادِيَا (٢)

يعني: بعلامة ذلك (٣). ومنه قوله جل ذكرُه: {رَبَّنَا أَنزلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لأوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ} [سورة المائدة: ١١٤] أي علامةً منك لإجابتك دُعاءنا وإعطائك إيَّانا سُؤلَنا.

والآخر منهما: القصةُ، كما قال كعب بن زهير بن أبي سُلمى:

ألا أبْلغا هذا المُعَرِّض آيَةً: ... أَيْقَظانَ قالَ القولَ إذْ قَالَ، أمْ حَلَم (٤)

يعني بقوله "آية": رسالةً منّي وخبرًا عني.

فيكون معنى الآيات: القصص، قصةٌ تتلو قصةً، بفُصُول ووُصُول.


(١) ديوانه: ٧٣. "بعد ائتلاف": أي بعد ما كنا فيه من جمّاع وألفة.
(٢) الشعر لسحيم عبد بني الحسحاس، ديوانه: ١٩، ويأتي في تفسير الطبري ١: ١٥٦ (بولاق) ألكنى إليها: أبلغها رسالة مني، والرسالة: الألوك والمألكة. وتهادى في مشيه: تمايل دلالا أو ضعفًا.
(٣) في المخطوطة: "بعلامة دلت"، وهو خطأ.
(٤) ديوانه: ٦٤، وروايته: "أنه أيقظان". وقد استظهرت في شرح كتاب طبقات فحول الشعراء لابن سلام: ٨٩، أن الصواب "آية"، كما جاء في مخطوطة الطبقات، وشرح الطبري دال على صواب ما استظهرت. وأهملت كتب اللغة تفسير هذا الحرف على وجهه، مع مجيئه في شعر كعب وغيره، كقول حجل بن نضلة:
أبلغْ معاويةَ الممزَّق آيَةً ... عنِّي، فلستُ كبَعض من يتَقَوَّلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>