للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كصاحب الرجل الذي لا يفارقه، وقرينه الذي لا يزايله. (١) ثم وكد ذلك بإخباره عنهم إنهم"فيها خالدون"، أنّ صحبتهم إياها صحبة لا انقطاع لها، (٢) إذْ كان من الأشياء ما يفارق صاحبه في بعض الأحوال، ويزايله في بعض الأوقات، وليس كذلك صحبة الذين كفروا النارَ التي أصْلوها، ولكنها صحبة دائمة لا نهاية لها ولا انقطاع. نعوذ بالله منها ومما قرَّب منها من قول وعمل.

* * *

القول في تأويل قوله: {مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ}

قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: شَبَهُ ما ينفق الذين كفروا، أي: شَبَهُ ما يتصدق به الكافر من ماله، (٣) فيعطيه من يعطيه على وجه القُربة إلى ربّه وهو لوحدانية الله جاحد، ولمحمد صلى الله عليه وسلم مكذب، في أن ذلك غير نافعه مع كفره، وأنه مضمحلّ عند حاجته إليه، ذاهبٌ بعد الذي كان يرجو من عائدة نفعه عليه = كشبه ريح فيها برد شديد، أصابت هذه الريح التي فيها البرد الشديد ="حرثَ قوم"، (٤) يعني: زرع قوم قد أمَّلوا إدراكه، ورجَوْا رَيْعه وعائدة نفعه ="ظلموا أنفسهم"، يعني: أصحاب الزرع، عصوا الله، وتعدَّوا حدوده ="فأهلكته"، يعني: فأهلكت الريح التي فيها الصرُّ زرعهم ذلك، بعد الذي كانوا عليه من الأمل ورجاء عائدة نفعه عليهم.


(١) انظر تفسير"أصحاب النار" فيما سلف ١: ٢٨٦، ٢٨٧ / ٤: ٣١٧ / ٥: ٤٢٩ / ٦: ١٤.
(٢) في المطبوعة أسقط"أن" من أول هذه العبارة، وهي ثابتة في المخطوطة. وفيهما جميعًا بعد: "إذا كان من الأشياء"، وصواب السياق"إذ"، كما أثبتها.
(٣) انظر تفسير"النفقة" فيما سلف ٥: ٥٥٥، ٥٨٠ / ٦: ٢٦٥.
(٤) انظر تفسير"الحرث" فيما سلف ٤: ٢٤٠، ٣٩٧ / ٦: ٢٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>