للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

القول في تأويل قوله: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ}

قال أبو جعفر: زعم بعض المنسوبين إلى العلم بلغات العرب من أهل البصرة (١) : أن تأويل قوله:"وإذ قال ربك"، وقال ربك؛ وأن"إذ" من الحروف الزوائد، وأن معناها الحذف. واعتلّ لقوله الذي وصفنا عنه في ذلك ببيت الأسود بن يَعْفُر:

فَإِذَا وَذَلِكَ لامَهَاهَ لِذِكْرهِ ... وَالدَّهْرُ يُعْقِب صَالِحًا بِفَسَادِ (٢)


(١) هو أبو عبيدة (انظر تفسير ابن كثير ١: ١٢٥) ، وكما مضى آنفًا في مواضع من كلام الطبري. ويؤيد ذلك أن البغدادي نقل في شرح بيت عبد مناف بن ربعى، (الخزانة ٣: ١٧١) ، عن ابن السيد: "وقال أبو عبيدة: إذا، زائدة، فلذلك لم يؤت لها بجواب". هذا والشاهدان الآتيان في زيادة"إذا" لا في زيادة"إذ"، وهو من جرأة أبي عبيدة وخطئه، وأيا ما كان قائله، فهو جريء مخطئ.
(٢) المفضليات، القصيدة رقم: ٤٤، وليس البيت في رواية ابن الأنباري شارح المفضليات. وقوله"لامهاه"، يقال: ليس لعيشنا مهه (بفتحتين) ومهاه: أي ليس له حسن أو نضارة. وقد زعموا أن الواو في قوله"فإذا وذلك. . " زائدة مقحمة، كأنه قال: فإذا ذلك. . .، وقد قال الطبري في تفسير قوله تعالى: "حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين" ج ٢٤ ص ٢٤: "واختلف أهل العربية في موضع جواب"إذا" التي في قوله: (حتى إذا جاءوها) ، فقال بعض نحويي البصرة، يقال إن قوله: (وقال لهم خزنتها) في معنى: قال لهم. كأنه يلغى الواو. وقد جاء في الشعر شيء يشبه أن تكون الواو زائدة، كما قال الشاعر: فَإِذَا وَذَلِكَ يَا كُبَيْشَةُ لَمْ يَكُنْ ... إِلا تَوَهُّمَ حَالِمٍ بِخَيَالِ
فيشبه أن يكون يريد: فإذا ذلك لم يكن". وقال أبو سعيد السكري في شرح أشعار الهذليين ٢: ١٠٠، في شرح بيت أبي كبير الهذلي: فَإِذَا وَذَلِكَ لَيْسَ إِلا حِينَهُ ... وَإِذَا مَضَى شَيْءٌ كَأَنْ لَمْ يُفْعَلِ
قال أبو سعيد: "الواو زائدة. قال: قلت لأبي عمرو: يقول الرجل: ربنا ولك الحمد. فقال: يقول الرجل: قد أخذت هذا بكذا وكذا. فيقول: وهو لك".
وقال ابن الشجري في أماليه ١: ٣٥٨: "قيل في الآية إن الواو مقحمة، وليس ذلك بشيء، لأن زيادة الواو لم تثبت في شيء من الكلام الفصيح". والذي ذهب إليه ابن الشجري هو الصواب، ولكل شاهد مما استشهدوا به وجه في البيان، ليس هذا موضع تفصيله. وكفى برد الطبري في هذا الموضع ما زعمه أبو عبيدة من زيادة"إذ" كما سيأتي: "وغير جائز إبطال حرف كان دليلا على معنى في الكلام" إلى آخر ما قال. وهو من سديد الفهم. وشرحه للبيت بعد، يدل على أنه لا يرى زيادة الواو، وذلك قوله في شرحه: "فإذا الذي نحن فيه، وما مضى من عيشنا".

<<  <  ج: ص:  >  >>