للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كفروا وعصوا الرّسول لو تسوّى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثًا وقوله: (وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ) ؟ فقال له ابن عباس: إني أحسبك قمت من عند أصحابك فقلت:"ألقى علي ابن عباس مُتَشابه القرآن"، فإذا رجعت إليهم فأخبرهم أن الله جامع الناس يوم القيامة في بَقيع واحد، (١) فيقول المشركون:"إن الله لا يقبل من أحد شيئًا إلا ممن وحّده"! فيقولون:"تعالوا نَقُل"! (٢) فيسألهم فيقولون:"والله رَبنا ما كنا مشركين قال: فيختم على أفواههم، ويستنطق جوارحهم، فتشهد عليهم جوارحهم أنهم كانوا مشركين، فعند ذلك تمنوا لو أن الأرض سُوِّيت بهم ولا يكتمون الله حديثًا.

٩٥٢٣ - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثنا أبي، عن أبيه، عن ابن عباس:"يومئذ يود الذين كفروا وعصوُا الرسول لو تسوَّى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثًا يعني: أن تسوّى الأرضُ بالجبال والأرضُ، عليهم. (٣)

فتأويل الآية على هذا القول الذي حكيناه عن ابن عباس: يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول، لو تسوّى بهم الأرض ولم يكتموا الله حديثًا (٤) = كأنهم تمنوا أنهم سوُّوا مع الأرض، وأنهم لم يكونوا كتموا الله حديثًا.

* * *

وقال آخرون: معنى ذلك: يومئذ لا يكتمون الله حديثًا = ويودّون لو تسوّى بهم الأرض. وليس بمنكتم عن الله شيء من حديثهم، لعلمه جل ذكره بجميع حديثهم وأمرهم، فإن همْ كتموه بألسنتهم فجحدوه، (٥) لا يخفى عليه شيء منه.

* * *

القول في تأويل قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ}

قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: (٦) "يا أيها الذين آمنوا"، صدّقوا الله ورسوله ="لا تقربوا الصلاة"، لا تصلوا ="وأنتم سكارى"، وهو جمع"سكران" ="حتى تعلموا ما تقولون"، في صلاتكم فتميّزون فيها ما أمركم الله به أو ندبكم إلى قيله فيها، (٧) مما نهاكم عنه وزَجَركم.

* * *

ثم اختلف أهل التأويل في"السكر" الذي عناه الله بقوله:"لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى".

فقال بعضهم: عنى بذلك السّكر من الشراب.


(١) "البقيع": المكان المتسع من الأرض، يكون فيه بعض الشجر.
(٢) في المطبوعة: "تعالوا نجحد"، غير ما في المخطوطة، وهو ما أثبته، ولم يستطع أن يعرف لها معنى، وهي صواب، وإن كانت كتب اللغة قد قصرت في إثبات هذا المعنى. وذلك أن"نقل" هنا من"القول" يراد به الكذب أو التعريض به، وقد مر بي ذلك في كتب السيرة مرارًا منها، ما قرأته في سيرة ابن هشام ٣: ٥٨، في خبر مقتل كعب الأشرف وقول محمد بن مسلمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا رسول الله، لا بد لنا من أن نقول"! فقال رسول الله: "قولوا ما بدا لكم، فأنتم في حل من ذلك". وهو شبيه المعنى بالكذب.
(٣) في المطبوعة: "أن تسوى الأرض بالجبال عليهم" حذف"الأرض" الثانية، والصواب ما في المخطوطة.
(٤) في المطبوعة: "ولا يكتمون الله حديثًا"، وهو خطأ فاحش، والصواب ما في المخطوطة.
(٥) في المطبوعة: "فإنهم إن كتموه بألسنتهم"، وهو خطأ فاحش أيضًا، والصواب ما في المخطوطة.
(٦) في المطبوعة والمخطوطة: "يعني بذلك جل ثناؤه"، والسياق يقتضي ما أثبت.
(٧) في المطبوعة: "وتقرأون فيها مما أمركم الله ... " وهو سياق مضطرب جدا، وفي المخطوطة: "وتقرون فيها مما أمركم الله" غير منقوط، وهو مضطرب أيضًا، ورجحت أن صواب قراءتها ما أثبت.

<<  <  ج: ص:  >  >>