للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعض القرآن، فاختلفوا في قراءتهُ دون تأويله، وأنكر بعضٌ قراءةَ بعض، مع دعوى كل قارئ منهم قراءةً منها: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأه ما قرأ بالصفة التي قرأ. ثم احتكموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (١) فكان من حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم، أن صوَّب قراءة كل قارئ منهم، على خلافها قراءةَ أصحابه الذين نازعوه فيها، وأمرَ كل امرئ منهم أن يقرأ كما عُلِّم، حتى خالط قلبَ بعضهم الشكُّ في الإسلام، لما رأى من تصويب رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءةَ كل قارئ منهم على اختلافها. ثم جَلاهُ الله عنه ببيان رسول الله صلى الله عليه وسلم له: أن القرآن أنزل على سبعة أحرف.

فإن كانت الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، عندك -كما قال هذا القائل- متفرقةً في القرآن، مثبتةً اليوم في مصاحف أهل الإسلام، فقد بطلت معاني الأخبار التي رويتها عمن رويتها عنه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنهم اختلفوا في قراءة سورة من القرآن، فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر كلا أن يقرأ كما عُلم. لأن الأحرف السبعة إذا كانت لغات متفرقة في جميع القرآن، فغير مُوجب حرفٌ من ذلك اختلافًا بين تاليه (٢) لأن كل تالٍ فإنما يتلو ذلك الحرفَ تلاوةً واحدةً على ما هو به في المصحف، وعلى ما أنزل.

وإذْ كان ذلك كذلك، بطل وجه اختلاف الذين رُوى عنهم أنهم اختلفوا في قراءة سورة، وفسد معنى أمر النبي صلى الله عليه وسلم كلَّ قارئ منهم أن يقرأه على ما عُلم. إذْ كان لا معنى هنالك يُوجب اختلافًا في لفظ، ولا افتراقًا في معنى. وكيف يجوز أن يكون هنالك اختلافٌ بين القوم، والمعلِّم واحدٌ، والعلم واحدٌ غير ذي أوجه؟ وفي صحة الخبر عن الذين رُوى عنهم الاختلافُ في حروف القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم - بأنهم اختلفوا وتحاكموا إلى


(١) في المخطوطة: "ثم اختلفوا إلى رسول الله"، وهما سواء.
(٢) هي "تالين" جمع "تال"، مضافة إلى الضمير، فحذفت النون.

<<  <  ج: ص:  >  >>