للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

القول في تأويل قوله: {وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ (١٩٣) }

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره في وصفه وعيبه ما يشرك هؤلاء المشركون في عبادتهم ربَّهم إياه: ومن صفته أنكم، أيها الناس، إن تدعوهم إلى الطريق المستقيم، والأمر الصحيح السديد لا يتبعوكم، لأنها ليست تعقل شيئًا، فتترك من الطرق ما كان عن القصد منعدلا جائرًا، وتركب ما كان مستقيمًا سديدًا.

* * *

وإنما أراد الله جل ثناؤه بوصف آلهتهم بذلك من صفتها، تنبيهَهم على عظيم خطئهم، وقبح اختيارهم. يقول جل ثناؤه: فكيف يهديكم إلى الرشاد مَنْ إن دُعي إلى الرشاد وعُرِّفه لم يعرفه، ولم يفهم رشادًا من ضلال، وكان سواءً دعاءُ داعيه إلى الرشاد وسكوته، لأنه لا يفهم دعاءه، ولا يسمع صوته، ولا يعقل ما يقال له. يقول: فكيف يُعبد من كانت هذه صفته، أم كيف يُشْكِل عظيمُ جهل من اتخذ ما هذه صفته إلهًا؟ وإنما الرب المعبود هو النافع من يعبده، الضارّ من يعصيه، الناصرُ وليَّه، الخاذل عدوه، الهادي إلى الرشاد من أطاعه، السامع دعاء من دعاه.

* * *

وقيل: (سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون) ، فعطف بقوله: "صامتون"، وهو اسم على قوله: "أدعوتموهم"، وهو فعل ماض، ولم يقل: أم صمتم، (١) كما قال الشاعر: (٢)


(١) انظر سيبويه ١: ٤٣٥، ٤٥٦.
(٢) لم أعرف قائله.

<<  <  ج: ص:  >  >>