للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

و"صيفي"، [واحق] . (١) وكان هؤلاء الثلاثة من خيار المسلمين، فخرج أبو عامر هاربًا هو وابن عبد ياليل، من ثقيف، (٢) وعلقمة بن علاثة، من قيس، من رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لحقوا بصاحب الروم. فأما علقمة وابن عبد ياليل، (٣) فرجعا فبايعا النبي صلى الله عليه وسلم وأسلما. وأما أبو عامر، فتنصر وأقام. قال: وبنى ناسٌ من المنافقين مسجد الضرار لأبي عامر، قالوا: "حتى يأتي أبو عامر يصلي فيه"، وتفريقًا بين المؤمنين، يفرقون به جماعتهم، (٤) لأنهم كانوا يصلون جميعًا في مسجد قباء. وجاءوا يخدعون النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، ربما جاء السيلُ، فيقطع بيننا وبين الوادي، (٥) ويحول بيننا وبين القوم، ونصلي في مسجدنا، (٦) فإذا ذهب السيل صلينا معهم! قال: وبنوه على النفاق. قال: وانهار مسجدهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: وألقى الناس عليه التِّبن والقُمامة، (٧) فأنزل الله: (والذين اتخذوا مسجدًا ضرارًا وكفرًا وتفريقًا بين المؤمنين) ، لئلا يصلي في مسجد قباء جميعُ المؤمنين = (وإرصادًا لمن حارب الله ورسوله من قبل) ، أبي عامر = (وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون) .

١٧٢٠٠- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا هارون، عن أبي جعفر، عن ليث: أن شقيقًا لم يدرك الصلاة في مسجد بني عامر، فقيل له: مسجد بني فلان لم يصلُّوا بعدُ! فقال: لا أحب أن أصلي فيه، فإنه بُني على ضرار، وكل مسجد بُنِيَ ضرارًا أو رياءً أو سمعة، فإن أصله ينتهي إلى المسجد الذي بني على ضرار.

* * *

القول في تأويل قوله: {لا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ}

قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: لا تقم، يا محمد، في المسجد الذي بناه هؤلاء المنافقون، ضرارًا وتفريقًا بين المؤمنين، وإرصادًا لمن حارب الله ورسوله. ثم أقسم جل ثناؤه فقال: (لمسجد أسِّس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم) ، أنت = (فيه) .

* * *

يعني بقوله: (أسس على التقوى) ، ابتدئ أساسه وأصله على تقوى الله وطاعته = (من أول يوم) ، ابتدئ في بنائه = (أحق أن تقوم فيه) ، يقول: أولى أن تقوم فيه مصلِّيًا.

* * *


(١) في المطبوعة: " وأخيه "، والذي في المخطوطة كما أثبته غير مقروء قراءة ترتضي. وممكن أن تكون " وأخوه "، ولكنه عندئذ خطأ، صوابه أن يكون و " أخيه "، كما أثبته ناشر المطبوعة.
بيد أن السياق يدل على أن ما بين القوسين اسم ثالث، وهو اسم أخي حنظلة، وصيفي، ولم استطع أن أجد خبر ذلك.
وأما " صيفي "، فقد ذكره ابن حجر في الإصابة في ترجمة " صيفي "، وأنه كان ممن شهد أحدا، ونسب ذلك إلى ابن سعد والطبراني، ولم أجده في المطبوع من طبقات ابن سعد.
(٢) الذي جاء في المخطوطة والمطبوعة: " ابن بالين "، وإن كان في المخطوطة غير منقوط.
وهو خطأ لا شك فيه عندي، وأن صوابه: " وابن عبد ياليل " كما أثبته. فإن ابن عبد البر في الاستيعاب: ١٠٥، في ترجمة " حنظلة الغسيل "، ذكر أن أبا عمر الفاسق لما فتحت مكة، لحق بهرقل هاربا إلى الروم، فمات كافرا عند هرقل، وكان معه هناك " كنانة بن عبد ياليل " و " علقمة بن علاثة "، فاختصما في ميراثه إلى هرقل، فدفعه إلى كنانة بن عبد ياليل، وقال لعلقمة: هما من أهل المدر، وأنت من أهل الوبر.
و" كنانة بن عبد ياليل الثقفي "، ترجم له ابن حجر في القسم الرابع، وذكره ابن سلام الجمحي، في طبقات فحول الشعراء ص: ٢١٧، في شعراء الطائف، ولم يورد له خبرا بعد ذكره.
(٣) في المطبوعة والمخطوطة: " وابن بالين "، وفي المخطوطة غير منقوطة. انظر التعليق السالف.
(٤) في المطبوعة: " بين جماعتهم "، وأثبت ما في المخطوطة.
(٥) في المطبوعة: " يقطع "، وأثبت ما في المخطوطة.
(٦) في المطبوعة: " فنصلي "، وأثبت ما في المخطوطة.
(٧) في المطبوعة: " النتن والقامة " والصواب ما في المخطوطة. و " التبن " عصيفة الزرع، فهو الذي يلقى. وأما " النتن " فالرائحة الكريهة، فكأنه ظن أن " النتن " مجاز لمعنى " الأقذار "، لنتن رائحتها! وهو باطل.

<<  <  ج: ص:  >  >>