للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

القول في تأويل قوله تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (١٣) وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا (١٤) }

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:

نحن يا محمد نقص عليك خبر هؤلاء الفتية الذين أوَوْا إلى الكهف بالحق، يعني: بالصدق واليقين الذي لا شك فيه (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ) يقول: إن الفتية الذين أوَوْا إلى الكهف الذين سألك عن نبئهم الملأ من مشركي قومك، فتية آمنوا بربهم، (وَزِدْنَاهُمْ هُدًى) يقول: وزدناهم إلى إيمانهم بربهم إيمانا، وبصيرة بدينهم، حتى صبروا على هجران دار قومهم، والهرب من بين أظهرهم بدينهم إلى الله، وفراق ما كانوا فيه من خفض العيش ولينه، إلى خشونة المكث في كهف الجبل.

وقوله: (وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ) يقول عز ذكره:

وألهمناهم الصبر، وشددنا قلوبهم بنور الإيمان حتى عزفت أنفسهم عما كانوا عليه من خفض العيش.

كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد عن قتادة (وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ) يقول: بالإيمان.

وقوله: (إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ) يقول: حين قاموا بين يدي الجبار دقينوس، فقالوا له إذ عاتبهم على تركهم عبادة آلهته (رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ) يقول: قالوا ربنا ملك السماوات والأرض وما فيهما من شيء، وآلهتك مربوبة، وغير جائز لنا أن نترك عبادة الربّ ونعبد المربوب (لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا) يقول: لن ندعو من دون ربّ السموات والأرض إلها، لأنه لا إله غيره، وإن كلّ ما دونه فهو خلقه (لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا) يقول جل ثناؤه: لئن دعونا إلها غير إله السموات والأرض، لقد قلنا إذن بدعائنا غيره إلها، شططا من القول: يعني غاليا من الكذب، مجاوزا مقداره في البطول والغلوّ: كما قال الشاعر:

ألا يا لَقَوْمي قد أشْطَتْ عَوَاذِلي ... ويزْعُمْنَ أنْ أوْدَى بِحَقِّي باطلي (١)


(١) البيت للأحوص بن محمد. وهو من شواهد أبي عبيدة في (مجاز القرآن ١: ٣٩٤) قال: (قُلْنَا إِذًا شَطَطًا) : أي جورا وغلوا، قال ألا يا لقوم قد أشطت عواذلي
... البيت وذكر بعده بيتا آخر وهو: وَيَلْحَيْنِي في اللَّهْوِ أنْ لا أُحِبُّهُ ... وللَّهْوِ داعٍ دائِبٌ غيرُ غافِلِ
وفي (اللسان: شطط) : الشطط: مجاوزة القدر في بيع أو طلب أو احتكام أو غير ذلك من كل مشتق منه. أه. وقال: وشط في سلعته وأشط: جاوز القدر، وتباعد عن الحق. وشط عليه في حكمه يشط شططا. واشتط، وأشط: جار في قضيته. وقال أبو عبيدة: شططت أشط، بضم الشين، وأشططت: جرت. قال ابن بري: أشط: بمعنى أبعد، وشط بمعنى بعد. وشاهد أشط بمعنى أبعد، قول الأحوص: * ألا لقومي قد أشطت عواذلي *
... البيت.

<<  <  ج: ص:  >  >>