للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الردة بالفعل أو بالقول]

المفتي

جاد الحق على جاد الحق.

ربيع الأول ١٤٠١ هجرية - ٢٧ يناير ١٩٨١ م

المبادئ

١ - إنابة المسيحى - الذى أسلم وتزوج بمسلمة - غيره فى تجديد جواز سفره المدون به ديانته السابقة لا يعتبر بها مرتدا

السؤال

بالطلب المقيد برقم ٢٦ لسنة ١٩٨١ الذى جاء به أن رجلا كان مسيحيا وأسلم ثم تزوج بمسلمة، وقد كان لهذا الرجل قبل إسلامه جواز سفر أوشكت مدته على الانتهاء، وعهد به إلى صديق له ليقوم بتجديده واستخراج جواز سفر آخر جديدا بديلا للجواز الذى أوشكت مدة صلاحيته على الانتهاء، وقد قام هذا الصديق باستخراج جواز السفر الجديد مطابقا للجواز القديم الذى كان له قبل الإسلام من حيث البيانات جميعها - الديانة والحالة الاجتماعية - أعزب.

والاسم والسن،كما كان ثابتا بالجواز القديم المحرر قبل الإسلام، وقد أعتذر الصديق الذى قام باستخراج جواز السفر الجديد عن هذا بأنه رغب فى الإسراع فى استخراجه.

ولقد سافر الزوجان إلى الولايات المتحدة الأمريكية وأقاما هناك حوالى عامين، لم يخالف الزوج تعاليم الإسلام، ولم يباشر أى شىء من الطقوس الدينية التى كان يباشرها قبل اعتناقه الإسلام.

ثم تصادف أن اطلعت الزوجة على جواز سفر زوجها، ولما رأت بياناته عن الديانة وغيرها تشككت فى أمره، وقيل لها إن زوجها بهذا العلم - الذى باشره غيره - قد ارتد عن الإسلام، فى حين أن الزوج لم يرتد ولم يباشر أى شىء يخالف الإسلام وتعاليمه، وقد أبت الزوجة معاشرة زوجها، وتركت منزل الزوجية، اعتقادا منها أنه باستخراجه جواز السفر بالبيانات التى كانت قبل إسلامه - التى حررت بفعل غيره - قد ارتد والعياذ بالله، وهى فى الوقت نفسه متألمة من معاشرته إياها قبل علمها بما دون فى هذا الجواز من بيانات.

فما الحكم الشرعى فى ذلك - وهل الزوجة محقة فى تركها زوجها معتقدة ردته عن الإسلام أم لا

الجواب

إن المستخلص مما جاء فى هذا السؤال أن الزوج المسئول عنه لم يحرر بنفسه بيانات جواز السفر، ومنها ديانته قبل اعتناقه الإسلام، وأنه أعزب، وإنما حرر تلك البيانات صديق له أنابه فى استخراج هذا الجواز، وأنه قد عاش مع زوجته المسلمة قرابة العامين فى الولايات المتحدة مسلما، لم يخالف الإسلام أو تعاليمه، ولم يصدر منه ما يصير به مرتدا عن الإسلام.

ولما كان المرتد - فى اللغة - هو الراجع مطلقا، وفى اصطلاح فقهاء الشريعة الإسلامية هو الراجع عن دين الإسلام، وركن الردة إجراء كلمة من كلمات الكفر على اللسان بعد الإسلام والإيمان.

وشروط وقوع الردة أن تقع من مسلم عاقل يقظ طوعا واختيارا، ويجرى مجرى النطق بألفاظ الكفر كتابتها أو كلمة منها بنفسه، مدركا معناها ومرماها مع تحقق تلك الشروط.

فإذا كان هذا الزوج لم يكتب بنفسه فى أوراق جواز سفره ديانته قبل إسلامه، ولم يصدر منه منذ اعتناق دين الإسلام ما يخرجه عن هذه العقيدة، وكان ما دون بجواز السفر من فعل غيره لم يكن مسئولا عنه فى عقيدته، فلا يعتبر به مرتدا عن الإسلام، ولا يحاج به فى هذا الشأن، لأن الردة عن الإسلام ذاتية أى بفعل أو قول صادر من ذات المسلم بالشروط المتقدمة.

وإذ كان ذلك لم يكن لأحد اعتبار هذا الرجل مرتدا بما لم يقله أو يكتبه وإنما كتبه غيره، إذ أن الإسلام والارتداد عنه - والعياذ بالله سبحانه - لا بد أن يصدر من ذات الإنسان حتى تجرى عليه الأحكام الشرعية المقررة على المسلم أو المرتد، ففى القرآن الكريم قوله تعالى {ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى} الأنعام ١٦٤، وقوله {ومن ضل فإنما يضل عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى} الإسراء ١٥، وقوله {أم لم ينبأ بما فى صحف موسى.

وإبراهيم الذى وفى.

ألا تزر وازرة وزر أخرى. وأن ليس للانسان إلا ما سعى} النجم ٣٦، ٣٧،٣٨، ٣٩، وإذ كان الأمر على هذا الوجه، لم يصر به هذا الزوج مرتدا عن الإسلام، وكانت معاشرته لزوجته المسلمة معاشرة زوج مسلم، ولم يجز لها شرعا ترك معايشته أو معاشرته، متى كان بينا لها صدق هذه الوقائع وصدقته فيها، وما لم يكن هناك سبب شرعى آخر لاجتنابه.

والله سبحانه وتعالى أعلم

<<  <  ج: ص:  >  >>