للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ربا النسيئة]

المفتي

جاد الحق على جاد الحق.

ربيع الأول ١٤٠٠ هجرية - ١٧ مارس ١٩٨٠ م

المبادئ

١ - فقهاء الشريعة الإسلامية عرفوا البيع بأنه مبادلة المال بالمال تمليكا وتملكا على اختلاف بينهم فى التعبير عن هذا المعنى.

٢ - اقتران عقد البيع بالشرط الفاسد مفسد للعقد.

٣ - اشتراط هيئة الأوقاف المصرية فى عقد التمليك ومحلقاته دفع المشترى للوحدة السكنية ٥ من جملة الثمن المؤجل كريع نظير باقى الوحدة التى لم يدفع ثمنها.

هو عقد آخر على المشترى يدخل فى نطاق الشرط الفاسد، وهو من ربا النسيئة

السؤال

نشرت جريدة الأهرام فى عددها يوم الجمعة الموافق ٢١ ربيع الأول سنة ١٤٠٠ هجرية ٨ فبراير سنة ١٩٨٠ المقيد برقم ١٠٧ لسنة ١٩٨٠ فى شأن ما تتقاضاه هيئة الأوقاف المصرية من المتعاملين معها فى تمليك العقارات وأطلقت عليه اسم فائض الريع إذ قالت رسالة المواطن / ع - ع - م إن الهيئة تأخذ فائدة سنويا فوق الثمن المتعاقد عليه مقدارها ٥ % فى المائة على باقى ثمن الشقق التى تعرضها للتمليك.

بينما أجاب السيد الأستاذ رئيس مجلس إدارة الهيئة - كما هو منشور فى ذات هذا العدد - بأن هذا فائض ريع وليس تحصيل فوائد، ذلك لأن مشترى الشقة بالتقسيط يدفع مقدما ٢٥ % فى المائة من ثمنها ويسدد الباقى على ٤٠ سنة وبذلك يكون له منطقيا ٢٥ % فى المائة من الملكية وللهيئة الباقى ٧٥ % فى المائة حتى تمام السداد، وخلال فترة التأجيل ينتفع المشترى بكامل الشقة رغم أنه لم يملك سوى ٢٥ % فى المائة فقط، ولا تنتفع هيئة الأوقاف بشىء ولها ٧٥ % فى المائة من الملكية.

ومن هنا ومحافظة على استثمار أموال الأوقاف لجأت الهيئة إلى حساب دخل الشقة لو كانت مؤجرة طوال مدة الأجل ٤٠ عاما مثلا، ثم خصمت من جملة الدخل ٢٥ % فى المائة ويكون للهيئة الباقى، وكان هذا الحساب على أساس ١٠ من التكلفة، فوصلت حصة الهيئة إلى ٢٥ ألفا من الجنيهات عن الشقة المكونة من حجرتين وصالة وفقا لقانون الإيجارات، ولكن الهيئة لم تجر المحاسبة على هذا واكتفت بحساب ٥ % فى المائة فقط كفائض ريع.

كما اطلعنا بعدد الأهرام يوم الجمعة ١٣ ربيع الآخر ١٤٠٠ هجرية الموافق ٢٩ فبراير ١٩٨٠ على كلمة السيد المستشار فتحى لاشين المفتش القضائى الأول بوزارة العدل تعليقا على ما سبق من أقوال السيد الأستاذ رئيس مجلس إدارة الهيئة، حيث جاء بها أن عقد البيع ورد على كامل الوحدة السكنية موضوع العقد، وأن الرابطة تبعا لهذا بين بائع وبين مشتر وأن هذا استمرار فى التعامل مع الربوى مع رفع شعار تطبيق الشريعة الإسلامية فى المجال الاقتصادى.

هذا وقد ورد إلى دار الإفتاء من السيد المستشار فتحى لاشين نسخة من نص كلمته إلى الأهرام.

وبناء على طلب دار الإفتاء ورد من هيئة الأوقاف المصرية صورة طبق أصلها من عقد التمليك الذى تبرمه الهيئة مع المشترين لوحداته السكنية، وأحد عشر كشفا ببيان الأقساط والريع المستحق سنويا والتى يقتضى سدادها طبقا لنوع الشقة وحجراتها وبذلك مع كتابيها رقم ١٦٢٠ فى ١٠/٣/١٩٨٠ ورقك ١٦٨٦ فى ١٢/٣/١٩٨٠

الجواب

إنه لما كان ما نشرته الأهرام وما جاء بالأوراق الواردة من هيئة الأوقاف المصرية وبأوراق السيد المستشار فتحى لاشين يفيد أن المشترى لوحدة سكنية من هيئة الأوقاف يتملك مبانيها فقط بمجرد التوقيع على العقد، وأن هناك جداول ملحقة بالعقد، ومعتبرة جزءا لا يتجزأ منه وتجرى المحاسبة طبقا لها.

وقد جاء بهذه الجداول بيان الأقساط بدون ريع، وبيان الريع المستحق بواقع ٥ % فى المائة وجملتهما، وبيانات أخرى مفصلة تبعا لعدد حجرات الوحدة.

ولما كان البين من صورة العقد الواردة من هيئة الأوقاف أنه عقد بيع بالشروط المبينة فى مواده وبالجداول الملحقة به، ومن هذه الشروط استحقاق ا٢لهيئة لنسبة ٥ % فى المائة من جملة المبلغ المؤجل من ثمن الوحدة السكنية موضوع التعاقد.

وبما أن البيع قد عرفه فقهاء الشريعة الإسلامية بأنه مبادلة المال بالمال تمليكا وتملكا على اختلاف بينهم فى التعبير عن هذا المعنى، وهو مشروع بنصوص القرآن الكريم والسنة الشريفة وبإجماع المسلمين.

وقد اتفق الفقهاء جميعا على أن اقتران عقد البيع بالشرط الفاسد مفسد للعقد، وتكاد عباراتهم تتفق على أن الشرط الفاسد هو ما لا يقتضيه العقد ولا يلائمه أو يضر بالعقد، وأن من قبيل الشروط الفاسدة أن يشترط أحد المتعاقدين على صاحبه عقدا آخر، ومن أمثلتهم للشرط الفاسد إذا قال البائع للمشترى بعتك هذه الدار وأجرتكها شهرا لم يصح لأن المشترى ملك منافع الدار بعقد البيع، فإذا أجره إياها فقط شرط أن يكون له بدل فى مقابلة ما ملكه المشترى فلم يصح.

ولما كان اشتراط هيئة الأوقاف المصرية فى عقد التمليك وملحقاته أن يدفع مشترى الوحدة السكنية ٥ % من جملة الثمن المؤجل، وفسر هذا السيد الأستاذ رئيس مجلس إداراتها بأن هذا ريع مستحق نظير إيجار باقى الوحدة التى لم يدفع ثمنها، فيكون هذا الشرط بهذا المعنى عقدا آخر على المشترى يدخل فى نطاق الشرط الفاسد بالمعيار، بل وبالمثال السابق الذى نص الفقهاء على عدم صحته.

وعلى ذلك يكون واقع الأمر على ما تفيده نصوص العقد وملحقاته أن نسبة الخمسة فى المائة جاءت فائدة مقررة على المبلغ المؤجل من ثمن الوحدة السكنية المباعة، لأن البيع قد تم بالعقد وتسلم المشترى المبيع برضا البائع، فله الانتفاع به جميعه شرعا بدون مقابل غير الثمن المسمى بالعقد، وأخذ نسبة ٥ % على المؤجل من الثمن يكون فى نظير التأجيل، وهذا هو ربا النسيئة الذى حرمه الله تعالى فى القرآن الكريم وعلى لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم.

من هذا قول الله سبحانه فى سورة البقرة {ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا} البقرة ٢٧٥، لما كان ذلك وكانت تلك النسبة ٥ % إما فى مقابلة تأجيل الدين وإما فى مقابلة تأجير باقى العين كما جاء بتفسير رئيس مجلس الإدارة لهذا الشرط وإن كان هذا التفسير لا تدل عليه بنود العقد ولا ملحقاته التى تقررت بها هذه النسبة فتخلص تلك النسبة إما ربا نسيئة لا محالة لا يخرجها أى اسم أو وصف يطلق عليها عن هذه الحقيقة، أو عقد إجارة فاسد لا تستحق به الأجرة، لأنه ورد على ما ملكه المشترى بعقد البيع مع تأجيل بعض الثمن، وفى كل حال لا تقع هذه النسبة ٥ % فى المائة فى نطاق نص مبيح شرعا لاشترطها، بل وقعت فى نطاق المحرمات على الوجه المبين.

هذا ومما ينبغى تبيانه للناس أن الأصل فى البيع أن يكون بثمن حال، ويجوز أن يكون بثمن مؤجل كلا أو بعضا إلى أجل معلوم حتى لا يؤدى تجهيل الأجل إلى النزاع، والزيادة فى الثمن عند البيع مؤجلا اختلف الفقهاء فى حلها والجمهور على صحة البيع مع تأجيل الثمن والزيادة فيه عن الثمن الحالى.

كما أن من صور البيع التى أجيزت شرعا بيع المرابحة.

وصورته أن يبيع الشىء بربح.

فيقول ثمن هذا المبيع مائة جنيه وأبيعه بمائة وعشرين جنيها مثلا، وهذا جائز لا خلاف فى صحته شرعا.

ولما كان ذلك فإن لهيئة الأوقاف المصرية أن تسير فى هذه العقود على هذا الوجه امتثالا لقوله سبحانه {وأحل الله البيع وحرم الربا} فتضيف فوق التكاليف الفعلية للمبانى الربح المناسب، ثم تبيع الوحدة بثمن محدد لا تتقاضى أكثر منه بهذا الوصف فائض الريع أو إجارة باقى الوحدة السكينة لمشتريها حيث دخل فى نطاق الربويات المحرمات شرعا.

ولقد حذرنا رسول الله بتسميتها بغير اسمها فقال ليشربن أناس من أمتى الخمر ويسمونها بغير اسمها وفى رواية لتستحلن طائفة من أمتى الخمر باسم يسمونها إياه.

وهذا هو الواقع لآن مع الخمر ومع الربا وغيرهما من المحرمات يسميها المسلمون بغير اسمها ويستحلونها.

وبعد فإن الله سبحانه وتعالى قد توعد المتعاملين فى الربا بما لم يتوعد به فى غير هذه الكبيرة فقال سبحانه فى سورة البقرة {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا إن كنتم مؤمنين.

فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون} البقرة ٢٧٨، ٢٧٩، نقل القرطبى فى تفسير هذه الآية أن الإمام مالكا قال إنى تصفحت كتاب الله وسنة نبيه فلم أر شيئا أشر من الربا، لأن الله أذن فيه بالحرب.

هذا وقد روى الشيخان عن النعمان بن بشير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لعرضه ودينه.

والله سبحانه وتعالى أعلم

<<  <  ج: ص:  >  >>