للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الغاء الوقف الأهلى وسنده]

المفتي

جاد الحق على جاد الحق.

شعبان ١٤٠٠ هجرية - ٢٩ يونيه ١٩٨٠ م

المبادئ

١ - وقف المسجد صحيح نافذ لازم شرعا، متى توفرت شروطه.

٢ - وقف غير المسجد عند جمهور الفقهاء صحيح على خلاف فى لزومه وفيما يجوز وقفه وما لا يجوز.

٣ - عدم لزوم الوقف وجواز الرجوع عنه مذهب أبى حنيفة ويرى باقى الأئمة لزومه من وقت حصوله على خلاف فى ذلك.

٤ - الوقف يتم الإرادة المنفردة، ولا يكون إلا مؤبدا، وأجاز البعض تأقيته.

٥ - الوقف فى مرض الموت ولو لكل أملاكه صحيح بإجازة الورثة وإلا كان كالوصية صحيح فى الثلث باطل فيما عداه.

٦ - تصرف ولى الأمر بالمصلحة فيما بتعلق بالأمور العامة وصدور قانون إلغاء الوقف على غير الخيرات من هذا القبيل

السؤال

من السيد /.

بجامعة الملايو - ماليزيا بالكتاب المحرر فى ٩ من شهر جمادى الآخرة سنة ١٤٠٠ هجرية ٢٤ من أبريل سنة ١٩٨٠ المقيد لدينا برقم ١٧٥ سنة ١٩٨٠ وقد جاء به أن السائل قال إنه قد استولى ولا يزال يستولى على فكرى وهمى من حين لآخر سؤال ولم أجد له جوابا شافيا مقنعا وأتوقع الرد على هذا لما فى الرد من مصلحة تهم المسلمين، وبالأخص مسلمى ماليزيا،.

وسؤال كالآتى بعد الاطلاع على المادة الأولى من قانون الوقف (الوقف الأهلى) رقم ١٨٠ لسنة ١٩٥٢، حيث تنص على أنه (لا يجوز الوقف على غير الخيرات) مما يبدون لى أن هذه المادة تشير إلى إلغاء الوقف الأهلى إن صح تصورى.

فهل يعتبر هذا إلغاء مشروعا لدى الشرع، فإذا كان كذلك فما وجهة نظر الفقهاء فى ذلك استنادا إلى الحجج المعتبرة لديهم والله يوفقكم مع رجائى التفضل فى الرد عليه

الجواب

إن الأصل فى جواز الوقف وشرعيته هو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر رضى الله عنه حينما شاوره فى أرض له بخيبر، حبس أصلها وسبل الثمرة) ، وقد اختلف أفهام الأئمة وفقهاء المذاهب المعتبرة فى معنى هذا الأثر ومداه تبعا لاختلاف ما وصل إلى كل منهم من الروايات لهذا الحديث، وما روى من آثار أخرى عن وقوف لبعض الصحابة رضى الله عنهم.

وتبعا كذلك لاختلاف مداركهم لمدلول تلك الآثار، ولقد أدى هذا إلى اختلافهم فى خصائص الوقف وحقيقته اختلافا بينا واسع المدى، ولعل فقهاء المذاهب الإسلامية لم يتخلفوا على عقد من العقود الشرعية اختلافهم فى الوقف.

ونوجز عناصر كل ذلك فيما يلى اتفاق واختلاف اتفقت كلمة الفقهاء على أن وقف المسجد صحيح نافذ لازم متى توافرت الشروط، ولا يعرف - فيما طالعنا من كتب الفقه التى بأيدينا أن أحدا منهم خالف فى أصل صحة وقف المسجد ولزومه بشروطه وإن تفاوتوا فى بعض الأحكام التفصيلية.

أما وقف غير المسجد فقد تشعبت فيه أقوالهم، فمنهم من قال ببطلانه وهذا مروى عن على بن ابى طالب وعبد الله بن عباس وابن مسعود من فقهاء الصحابة، وبه قال شريح من فقهاء التابعين ومروى أيضا عن الإمام أبى حنيفة وعن أبى جعفر الطبرى، فقط روى عن ابن مسعود قول لا حبس إلا فى سلاح أو كراع، وروى ابن أبى شيبة موقوفا عن على بن أبى طالب رضى الله عنه قوله لا حبس عن فرائض الله إلا ما كان من سلاح أو كراع، وروى الطحاوى فى شرح معانى الآثار أن ابن عباس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما أنزلت سورة النساء وأنزل فيها الفرائض نهى عن الحبس وآثار أخرى رواها الطحاوى وابن حزم.

(معانى الآثار ج - ٢ ص ٦٤٩ والمحلى لابن حزم ج - ٩ ص ١٧٥ وفتح القدير للكمال بن الهمام الحنفى المصرى ج - ٥ ص ٤٢) .

وذهب جمهور الفقهاء وأئمة الأمصار إلى جواز وقف غير المسجد وصحته على خلاف بينهم فى لزومه، وفيما يجوز وقفه وما لا يجوز، وحججهم فى هذا مشروحة ومستفيضة فى مواضعها من كتب الفقه.

ومما سلف يتضح أن ما ذهب إليه بعض فقهاء الصحابة والتابعين قول له أدلته، ويصح الاستناد إليه والأخذ به متى دعت إلى ذلك مصلحة الأمة وخيرها، وإن خالف ما عليه جمهور الفقهاء.

أما عدم لزوم الوقف وجواز الرجوع عنه فهو قول افمام أبى حنيفة نفسه فى اصح الروايتين عنه وقول زفر بن الهذيل (المبسوط للسرخسى ج - ١٢ ص ٣٧ والفتاوى الخانية ج - ٣ ص ٢٨٥ وشرح معانى الآثار للطحاوى ج - ٩ ص ١٧٥) .

أما لزوم الوقف الصحيح الناجز من وقت حصوله، لا يباع ولا يرهن ولا يوهب ولا يورث ولا ينقض فهو قول باقى الفقهاء على اختلاف بينهم فى لزوم الوقف وعدم لزومه.

ولقد اختلف الفقهاء كذلك فى عقد الوقف، فقالت طائفة إنه يتم بالإرادة المنفردة، ولا يتوقف انعقاده وصحته وثبوت الاستحقاق للموقوف عليه إلى القبول، وطائفة ثانية تقول إن الأصل فى العقود أنها رباط بين متعاقدين وهذا يقتضى اشتراط القبول، والوقف من العقود فلابد فيه من القبول، هذا بينما ذهبت طائفة ثالثة إلى أن الوقف لابد أن يظهر فيه معنى القرية، فى حيز أن طائفة رابعة لا تشترط ذلك.

ثم من قال من الفقهاء إن الوقف عند غير لازم وللواقف فسخه.

قال أيضا إن الزوم وعدمه تابع لمشيئة الواقف، ولا يجبر على إنفاذه لو أراد الفسخ، وأن لوارثته كذلك هذه المشيئة والاختيار.

ومن قالوا بلزوم الوقف متى انعقد صحيحا اختلفوا، فمنهم من جعله لازما بالنسبة للعقد وللشروط وللموقوف ومن وقف عليه، وتبعا لهذا منعوا الواقف من اشتراط الحق فى الاستبدال أو التغيير فى المصارف والشروط، لأن فى هذا منافاة لمقتضى العقد وهو اللزوم، ومنهم من أجاز للواقف اشتراط كل ذلك ورتب عدم لزوم الوقف فيما يشترط فيه التغيير.

ثم جرى الخلاف أيضا فى أبدية الوقف أو عدمها فمنهم من قال إن الوقف لا يكون إلا مؤبدا، ومنهم من أجازه مؤبدا ومؤقتا.

كما وقع الاختلاف فى ملكية الموقوف، وهل يخرج بالوقف عن ملك الواقف لا إلى مالك، أو يبقى فى ملكه، أو يخرج إلى ملك الموقوف عليه وإن كان جهة عامة.

ولقد ترتب على هذا الاختلاف أن تنوعت تعاريف الفقهاء للوقف فراعى كل منهم حقيقة الوقف وخصائصه التى انتهى إليها اجتهاده.

وفى تأبيد الوقف وتأقيته كانت أقوال الفقهاء متنوعة حيث ذهب الإمامان أبو حنيفة ومحمد بن الحسن رحمهما الله تعالى إلى أن التأبيد من شروط صحة الوقف وأن توقيته مبطل له، وأن التأبيد قد يكون صراحة فى القعد، أو يجعل مآل الاستحقاق فيه أخيرا إلى جهة بر لا تنقطع غالبا كالمساكين ومصالح المساجد.

ونقل عن الإمام أبى يوسف رحمه الله تعالى قولان أحدهما أنه لا يشترط التأبيد لصحة الوقف، وأنه بعد انقطاع الجهة الموقوف عليها يرجع ألوقف إلى ملك الواقف أو لورثته، جاء هذا القول فى أوائل كتاب الوقف فى المبسوط للسرخسى ج - ١٢، وجاء فى أجناس الناطفى فروع دالة على هذا القول وقال الناطفى إن عليه الفتوى، وفى فتح القدير وإذا عرف عن أبى يوسف جواز عوده إلى الورثة فقد يقول فى وقف عشرين سنة بالجواز، لأنه لا فرق أصلا.

أما القول الآخر عن أبى يوسف فهو أنا التأبيد شرط لصحة الوقف، لكنه لا يشترط النص عليه ولا جعله لجهة لا تنقطع، لأن لفظ الوقف والصدقة منبىء عن التأبيد.

أما وقف المساجد فلا بد فيه من التأبيد لأن التوقيت ينافيه، ولأن المسجدية جهة لا تنقطع، فمتى وجد من الواقف ما يدل عليهما حصل التأبيد.

(فتح القدير للكمال بن الهمام على شرح الهداية ج - ٥ ص ٦٤ وما بعدها والإسعاف ص ٧١ وما بعدها) .

وذهب الفقه المالكى إلى أن التأبيد فى الوقف ليس شرطا لصحته فيصح مؤبدا، ومؤقتا، إذا لم يتأبد الوقف رجع بعد انقطاع جهته ملكا لمالكه أو لورثته، وإذا تأبد لا يباع ولا يوهب ولا يورث.

(حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج - ٤ ص ١٠٠ إلى ص ١٠٥ طبع دار الطباعة سنة ١٢٨٧ هجرية) .

ولفقهاء المالكية تفصيلات فيمن يستحق الوقف المؤبد بعد انقطاع مصرفه.

وقد جاء فى إجارات المدونة انه لا بأس بأن يكرى أرضه على أن تتخذ مسجدا عشر سنين فإذا انقضت كان النقض لمن بناه.

(منح الجليل شرح مختصر خليل ج- ٤ ص ٣٦ أوائل الوقف) وهذا واضح فى أن المسجد يصح أن يكون وقفه مؤقتا كسائر الوقاف، وأظهر الأقوال فى فقه الإمام الشافعى أن الوقف لا يكون إلا مؤبدا.

(التحفة ج - ٢ ص ٣٢٢) . وفى فقه مذهب الإمام أحمد بن حنبل لا يصح الوقف مؤقتا (الفروع لابن مفلح ج - ٢ ص ٨٦٧) .

وفى المغنى لابن قدامة (ج - ٦ ص ٢١٤) المطبوع مع الشرح الكبير أن الوقف المنقطع، وهو ما لا يعلم انتهاؤه، فالوقف مع ذكر ما ينقطع به يصح، وبه قال مالك وأبو يوسف والشافعى فى أحد قوليه، وقال محمد ابن الحسن لا يصح وهو القول الثانى للشافعى.

وفى الاختيارات لشيخ الإسلام ابن تيمية (ج - ٤ ص ١٠١) ان مأخذ الوقف المنقطع هو أن الوقف هل يسح توقيته بغاية مجهولة أو غير مجهولة فعلى قول من قال لا يزال وقفا لا يصح توقيته، وعلى قول من قال يعود ملكا يصح توقيته، فإن غلب جانب التحريم فالتحريم لا يتوقف، وإن غلب جانب التمليك فتوقيته جميعه قريب من توقيته على بعض البطون، كما لو قال وقفت على زيد سنة ثم على عمر سنة ثم على بكر سنة.

وذهب فقه الإمامية إلى صحة الوقف الؤقت لمدة صراحة، والمؤقت ضمنا بذكر مصرف ينقطع، وقالوا بانتهاء الوقف بانتهاء المدة وانقطاع المصرف (جواهر الكلام ص ٦٣٨) .

مسلك القانون المصرى فى التأبيد والتأقيت وسنده لهذا الاختلاف فى تأبيد الوقف وتوقيته أخذ القانون المصرى رقم ٤٨ لسنة ١٩٤٨ بمذهب الحنفية فى المجسد فلابد من تأبيده، وكذلك الموقوف على المسجد حيث لا يجوز الرجوع ولا التغيير فيه، وعدل القانون عن هذا المذهب فيما عداه إلى الأخذ بقول القائلين بجواز تأبيد الوقف الخيرى وتوقيته تيسيرا على الناس فى فعل الخير.

وقد أخذ فى جواز تأقيته بالمدة وبذكر مصرف ينقطع مع التصريح بعودته ملكا بعد الانتهاء بمذهب المالكية.

وهو أيضا مذهب الإمامية وأحد قولين فى مذهب الإمام أحمد بن حنبل وإحدى روايتين عن الإمام أبى يوسف فيما إذا ذكر الواقف جهة تنقطع، وما اقتضاه التوقيت فى المدة على ما ستظهره الكمال بن الهمام فى فتح القدير، واعتبر الوقف مؤبدا إذا أطلق عن التأبيد والتوقيت أخذا بالرواية الأخرى عن أبى يوسف.

كما أخذ هذا القانون بوجوب توقيت الوقف على ما عدا وجوه الخير، ومبنى هذا القول بجواز توقيت الوقف، والقول بعدم جوازه أصلا.

فمن وقت الوقف من تلقاء نفسه بمدة معينة لا تجاوز ٦٠ ستين سنة جاز وقفه، ومن وقته بطبقة أو بطبقتين جاز أيضا أخذا بقول القائلين بجواز توقيت الوقف، وإن تجازو ذلك صح وقفه على الطبقتين، وفى المدة المذكورة فقط، وبطل فيما عدا ذلك أخذا فى الجائز بقول المجيز، وفى الباطل بقول من قال بعدم جواز الوقف أصلا.. وتصحيح الوقف فى بعضه وإبطاله فى بعض آخر بمعنى إعطاء كل أمر منهما حكما لم يعط للآخر، لا مانع منه فقهاء وإن كان العقد واحدا، إذ لو وقف فى عقد واحد ما يجوز وقفه وما لا يجوز صح الوقف فيما يجوز وقفه وبطل فيما لا يجوز وقفه، ولو وقف المريض مرض الموت كل أملاكه ورد الورثة وقفه صح وقفه فى الثلث وبطل فيما زاد عليه.

بهذه الأحكام جرى نص المادة الخامسة من هذا القانون إذا جاء بها وقف المسجد لا يكون إلا مؤبدا، ويجوز أن يكون الوقف على ما عداه من الخيرات مؤقتا أو مؤبدا وإذا أطلق كان مؤبدا، أما الوقف على غير الخيرات فلا يكون إلا مؤقتا ولا يجوز على أكثر من طبقتين.

تصرف ولى الأمر فى التشريع وغيره ومناطه شرعا من القواعد الشرعية ان تصرف الإمام (ولى أمر المسلمين) منوط بالمصلحة، نص على ذلك الإمام الشافعى إذ قال (منزلة الإمام من الرعية منزلة الولى من اليتيم) .

وأصل هذه القاعدة ما أخرجه سعيد بن منصور فى سننه عن البراء ابن عازب قال قال عمر رضى الله عنه (إنى أنزلت نفسى من مال الله بمنزلة والى اليتيم، إن احتجت أخذت منه، فإذا أيسرت رددته، فإن استغنيت استعففت) .

وهذه القاعدة واردة بعنوان القاعدة الخامسة فى كتابى الأشباه والنظائر لابن نجيم المصرى الحنفى وللسيوطى الشافعى.

وقد أسندها ابن نجيم إلى الإمام أبى يوسف أيضا، وساق واقعات عن الخليفتين أبى بكر وعمر رضى الله عنهما، ثم قيد القاعدة بأن فعل الإمام إذا كان مبنيا على المصلحة فيما يتعلق بالأمور العامة لم ينفذ أمره شرعا إلا إذا وافقه، فإن خالفه لم ينفذ وأورد أمثلة لهذا القيد.

إلغاء الوقف الأهلى فى مصر وهل يجيزه الشرع تقدم أن فقهاء المذاهب قد اختلفوا فى تأبيد الوقف وتأقيته، بل إن منهم من قال إن الوقف باطل أصلا وغير جائز، وفى نطاق هذا وما سبق تفصيله صدر القانون المصرى رقم ١٨٠ لسنة ١٩٥٢ ونصت مادته الأولى على أنه لا يجوز الوقف على غير الخيرات.

ونصت مادته الثانية على إنهاء كل وقف لا يكون مصرفه فى الحال خالصا لجهة من جهات البر.

وجاء فى المذكرة الإيضاحية لهذا القانون إن نظام الوقف نشأ لتشجيع التصدق على الفقراء من طريق حبس الملك على وجه التأبيد بيد أن تطور الأوضاع الاقتصادية فى عالم اليوم كشف عن مسافة الخلف بين آثار نظام الوقف وبين ما تتطلبه الأوضاع الاقتصدارية من حرية تداول المال وما جد فى ثناياها من معانى البر، ولذلك أضحى نظام الوقف أداة لحبس المال عن التداول، وعقبة فى سبيل تطور الحياة الاقتصادية على نحو جعل الفقراء فى طليعة ضحايا هذا النظام، ذلك أن نصيبهم من خيرات الوقف تضاءل حتى أصبح عديم الجدوى، فضلا عن أن حبس الأموال حال دون استثمارها على وجه يفسح مجال العمل والكسب الكريم لهؤلاء الفقراء، وهذه هى أرفع صور البر وأبلغها فى معنى التقرب إلى الله وبصدور تشريع الإصلاح الزراعى للحد من الملكية الزراعية صار من الضرورة التنسيق بين نظام الوقف وبين أغراض للإصلاح، وكانت مناسبة موفقة لإعادة النظر فى هذا النظام على الأقل فيما يتصل بحبس الملك على غير الخيرات، وقد قصد من مشروع القانون إلى إلغاء نظان الوقف على غير الخيرات حتى يتسنى تطبيق أحكام تشريع الإصلاح الزراعى على الأراضى الزراعية الموقوفة التى يتمتع فيها المستحقون بحكم الواقع بمركز لا يختلف فى جوهره عن مركز الملاك فى الوقت الحاضر - وحتى يتسنى إطلاق طائفة جسيمة من الأموال من عقالها لتصبح عنصرا من عناصر التداول.

وهذا الذى أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية بيان للمصلحة العامة التى استهدفها هذا القانون من إنهاء الوقف على غير الخيرات (الوقت الأهلى) .

ولما كان تقدير المصلحة منوطا بولى المر المسلم - كما سبق بيانه وتأصيله - كان ما انتهى إليه القانون واقعا فى نطاق الشرع، إذا قد تقدم أن من الفقهاء من قال بعدم لزوم الوقف بل وببطلانه وعدم جوازه أصلا.

وأخذا بفقه هؤلاء كان لولى الأمر فى مصر إصدار هذا القانون باعتباره مقلدا، له أن يختار من أقوال الفقهاء ما يراه مناسبا لمصالح الناس وله أن يأخذ حكما من مذهب فى مسألة وحكما فى مسألة أخرى من مذهب آخر على ما حرره علماء أصول الفقه فى أحكام التقليد والتلفيق والتخريج.

وكما سلف القول كان جائزا تصحيح بعض الوقف وإبطال بعضه الآخر.

فحين استبقى القانون الوقف على الخيرات اتبع قول القائلين بلزوم الوقف عليها، وحين أنهى الوقف على غير الخيرات (الأهلى) اتبع قول القائلين بعدم جواز الوقف أصلا وبطلانه، وذلك تلفيق فى التشريع تجيزه أقوال الفقهاء وعلماء أصول الفقه.

ولا شك أن المصلحة التى تغياها هذا القانون واضحة ظاهرة لأن تطور الأنظمة الاقتصادية اقتضى إطلاق الأموال المحبوسة عن التداول حرصا على تعميرها، وزيادة غلاتها وخبراتها حين تؤول ملكا خاصا لمن استحقها، ومن ثم تكون هذه المصلحة شرعية جاءت فى إطار القواع المتقدمة، وأقوال الفقهاء المختلفة فى شأن الوقف المشار إليها.

والله سبحانه وتعالى أعلم

<<  <  ج: ص:  >  >>